كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار
للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
ومن باب النسيب
ما قاله ابن الرومي في حلاوة الحب ومرارته. قال أبو بكر الصيدلاني في روايتنا:
أنشدن أحمد الكاتب قال: أنشدني ابن الرومي:
وأزرق الفجر يبدو قبل أشهبه وأول الغيث قطر ثم ينسكب
فمثل ذلك ودّ العاشقين هوى بالمزح يبدو وبالإدمان يلتهب
وبلسان الوسوسة في هذا الباب:
الحبّ حلو أمرّته عواقبه وصاحب الحب صبّ القلب ذائبه
استودع الله من بالقلب ودّعني يوم الرحيل ودمع العين سائله
ثم انصرفت وداعي الحب يهتف بي أرفق عليك فقد عزّت مطالبه
ولنا في هذا الباب:
الحبّ حلو إذا ما حبّنا وصلا كما يمرّ إذا محبوبنا هجرا
منوّع الطعم في الحالات فهو كمث ل الماء يتبع لون الكأس إن نظروقال الحسن بن هانئ:
أوائل الحب حلاوات وآخر الحب مرارات
ومشرع الحب دواعي الردى ومنهل الحب بليّات
كم قد أباد الحب من معشر أمسوا وهم في التراب أموات
فسوف إن دام بنا ذا الهوى أموت والله كما ماتو
ولبعضهم:
الحبّ يترك من أحبّ مدلّها حيران أو يقضى عليه فيسرع
وقال الآخر:
ألا قاتل الله الهوى كيف يقتل وكيف بأكباد المحبين يفعل
فلا تعذلوني في هواي فإنني أرى سورة الأبطال في الحب تبطل
وقال أبو حفص في هذا الباب:
ليس أمر الهوى يدبّر بالرأ ي ولا بالقياس والتفكير
إنما الحب والهوى خطرات محدثات الأمور بعد الأمور
ليس خطب الهوى بخطب يسير ليس ينبيك عنه مثل خبير
ومن قول الكميت في هذا الباب:
الحبّ فيه حلاوة ومرارة سائل بذلك من تطعّم أو سقي
ما ذاق بؤس معيشة ونعيمها فيما مضى أحد إذا لم يعشق
وقال بعضهم فيه:
رأيت أخ الحب الذي ليس يقصر يقال له أعمى وإن كان يبصر
ويخبط كالعشواء في حالك الدجى سواء عليه السهل والمتوعر
ومن باب طعم الحب:
وللحبّ أغصان تراها نظيرة وفي طعمها للذائقين ذعاف
رأيت المنايا في عيون أو أنس تميت بها الأرواح وهي ضعاف
ومن ذلك:
وقيل الهوى عذب فلما وردته وردت كريها لا يسوغ لشاربه
وإني رأيت الدهر حين صحبته محاسنه مقرونة بمعايبه
إذا سرّني في أول الأمر لم أزل على حذر من غمّه في عواقبهومن ذلك:
الحبّ حلو البدء مرّ العقب وأصعب الأدواء داء الحبّ
وصاحب الحبّ حليف الكرب مذلّة العقل عميد القلب