الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


37. الموقف السابع والثلاثون

قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾[الزخرف: 44].

وأنه أي القرآن، لذكر لك تذكر ربك بتلاوته، وتتعبد بترديده، ولقومك أمتك مجازاً، ولاشك أن تلاوة القرآن ذكر الله بل هو أجل الأذكار عند العارفين بالله تعالى فقط في كل الأوقات، خلافاً لمن قال: أنه أفضل الأذكار إلاَّ في الأمكنة والأزمنة التي ورد الأمر فيها بأذكار مخصوصة. وخلافاً لمن قال: أنه أفضل الأذكار إلاَّ فيما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس، وفيما بين صلاة العصر والمغرب.

الثانية: وأنه لذكر لك ولقومك، بمعنى مذكر، يذكّرك وقومك (أمتك مجازاً) العهد القديم الذي أخذه الله على الأرواح يوم ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾[الأعراف: 172]. فإنَّ القرآن وسائر الكتب المنزلة، إنما نزلت لتذكِّر العباد بذلك العهد القديم، الذي أخذ عليهم، بالإقرار بالربوبيّة والتوحيد.

الثالث: وأنه لذكر لك ولقومك، بمعنى تذكّر أنت بالقرآن ويذكّر به قومك أي العرب، على ظاهر اللفظ، مادام يتلى فيذكّر به الرسول، لأنه معجزته الدائمة الناطقة بتصديقه، وتذكر به العرب لأنه نزل بلسانها ولغتها.

الرابع: وأنه لذكر لك بمعنى مذكّر، ولقومك (أمتك مجازاً) أي وعظ وواعظ، ولا يخفى أن القرآن الكريم أعظم واعظ وأفضل وعظ لما اشتمل عليه من الوعيد والزجر والتخويف والتحذير؛ بل ما تعلّم واعِظ وعظاً إلاَّ منه، ولا تكلّم مذكر إلاَّ بلسانه.

الخامس: وأنه لذكر لك ولقومك العرب خاصة، بمعنى شرف لك ولقومك، أم شرفه (صلى الله عليه وسلم) بالقرآن فلكونه معجزته لإعجاز الخلق عن أن يأتوا بأقصر سورة من مثله، ولما فيه من الإخبار بالمغيبات والأنباء من الأمم البائدة، والقرون الخالية. وأما شرف العرب بالقرآن وهم قومه (صلى الله عليه وسلم) فلكونه نزل بلسانهم الذي به يتكلمون، ولغتهم التي بها يتحاورون، وألزم الخلق جميعهم من إنس وجن أن يتلوه بهذا اللسان، في كل زمان ومكان.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!