الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


321. الموقف الحادي والعشرون بعد الثلاثمائة

قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾[هود: 11/105].

يوم يأتي: يحضر يوم القيامة، لا تتكلّم نفس إلاَّ بإذنه تعالى له بالكلام، وهي أنفس الجوارح، يأذن لها تعالى في الكلام، وينطقها الذي أ نطق كلّ شيء، فإن كلّ جارحة من الإنسان لها نفس، فتدفع عن أنفسها يوم تأتي كلّ نفس تجادل عن نفسها؛ فهذه مقيدّة بتلك: فلا يتكلّم إلاَّ من أذن له الرحمن، فتجادل أنفس الجوارح، النفس الناطقة، التي كانت حاكمة عليها في دار التكليف، الدار الدنيا.

ورد في الصحيح، في قصّة الإسراء أنه (صلى الله عليه وسلم) رأى آدم ـ (عليه السلام) وعن يمينه أسودة، وعن يسارة أسودة، فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذ نظر قبل يساره بكى. فسأل جبريل فقال: هذا آدم، وهذه نسم بنيه السعداء والأشقياء. فإذا كانت هذه الأسودة أرواح بني آدم، ومن وجد منهم في الدنيا، وانتقل بالموت إلى البرزخ فآدم يراهم حقيقة، وإن كان المراد نسم بنيه إلى يوم القيامة، فهي أمثلة نصبها الله تعالى لأن كلّ ما يكاشف به الأنبياء والأولياء عليهم الصلاة والسلام ممّا لم يكن وسيكون إنَّما هي أمثلة ينصبها تعالى لهم، يعلمهم بالأمر على ما سيكون. وأرواح من لم يوجد غير متميّزة من بعضها بعضاً إلاَّ له تعالى، فإنَّ الأرواح قبل إيجاد صورها كالحروف مجملة في الدواة؛ فإذا كتب الكاتب بالحبر تميّزت الحروف التي كانت مجملة في الحبر.

والأرواح قبل خلق صورها، التي جعل الله لها تدبيرها لا تعرف نفسها، فل تعرف نفسها إلاَّ في صورة تدبّرها. ثم بعد ذلك، لا ترجع إلى إجمالها، فإن تجرّده الكلّي محال، فلا تزال مدبّرة لصورة، إمَّا عنصرية طبيعية، وإمَّا طبيعية، وإمَّ برزخية، وإمَّا صورة ينشئها الله تعالى لها في الآخرة عند البعث، لا تعلمه الآن، فإنه قال: ﴿وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى﴾[الواقعة: 56/61ـ 62].


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!