322. الموقف الثاني والعشرون بعد الثلاثمائة

قال تعالى: ﴿وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ﴾[الأنبياء: 21/29].

قيّد تعالى الوعيد في الآخرة، بمن يقول: «من دونه» فلابدَّ من زيادة هذا القيد، ولا وعيد في الآخرة على من يقول من المخلوقين: إني إله، إذ أشهده الحق سريان الألوهية في العالم، كسريان الوجود الحق في العلم، ولكنه حقٌّ ل ينقال، إذ ما كل حقّ يقال، كما أنه ما كلّ حقّ يحمد في جميع المواطن، ولا كلّ باطل يذمّ في كلّ المواطن. فالقائل إنه الله في الدنيا مذموم، وإن كان حقاً، وإنما يكون في الآخرة حين يكون العبد خلاّقاً، يقول للشيء: ﴿كُن فَيَكُونُ﴾[النحل: 16/ 40].

وأمَّا في الدنيا، فالحصر الموجود في هذا الموطن الدنياوي، يرد قوله إنه الله، لأنه يجوع ويعطش وينام ويحتاج إلى الكنيف. فإذا قال هذا وعقله معه، تناولته سيوف الشريعة والحقيقة وأهرقت دمه، كما وقع لحسين بن منصور الحلاج (رضي الله عنه) فإنه قال ما قال، وظاهر الأحوال تدلّ على أن عقله معه، فقتل بفتوى أهل الشريعة وأهل الحقيقة، حتى مشايخه الذين عرفوا أنه قال محقاً باطناً!! وأمَّا إذ قال: أنا الله، في حال غلبة سكر وحال، فهو غير مكلّف، فإن شرط التكليف العقل، وقد زال؛ أو قالها بإذن إلهي، كأبي يزيد وأضرابه؛ فهذا الصنف يحميه حاله من أن تناله أيدي الأغيار. فلا تقل: أنا هو، فإن مفهوم أنا غير مفهوم هو، فهما ضدّان يستحيل اجتماعهما. وأمَّا قوله (صلى الله عليه وسلم) (صلى الله عليه وسلم) في دعائه، كما ورد في الصحيح: ((واجعلني نوراً))، أي اجعلني أنت؛ فإنه تعالى هو النور، فتلك حالة كانت تحصل له (صلى الله عليه وسلم) ولا تدوم. ولا تقل: أن غيره؛ فإنه كلام غير مفيد، إذ الخالق غير المخلوق ضرورة، فهو كقولك: الماء غير النار، والسماء غير الأرض؛ ولكن ارتقب ما يبدو منه لك، فإن قال لك: أنا عينك وأنت عيني، فاسمع واصمت. وإن قال لك: أنت غيري وأنا غيرك، فاسمع وامتثل. وكل يوم هو في شأن: «اليوم» هنا هو الجزء الذي لا يتجزأ «هو في شأن»، من الزمان في ظهور بشأن، والشؤون، اقتضاءات ذاتية، وكلّ اقتضاء له اسم يخصّه، يظهر به ذلك الاقتضاء. والاقتضاءات الذاتية لا نهاية لها. فظهور الذات بالأسماء لا نهاية لها.