الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


305. الموقف الخامس بعد الثلاثمائة

روى البخاري في صحيحه أنه (صلى الله عليه وسلم) قال: ((أرأيت النار؛ فرأيت أكثر أهلها النساء)).

استشكل شراح الحديث هذا مع قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((لكل واحد منهم يعني أهل الجنّة زوجتان من نساء الدنيا))، وهو في صحيح البخاري. فإن ظاهر الحديث الأول يقتضي أن النساء في الجنة أقلّ من الرجال، وهذا يقتضي أنَّ النساء في الجنة أكثر من الرجال. أقول: لا إشكال، فإنَّه (صلى الله عليه وسلم) أري النار التي يدخلها عصاة هذه الأمة؛ فرأى أكثر أهل ذلك المحل النساء من هذه الأمة. وليس المراد أنه أُرِيَ النار التي يدخلها كل من يدخل النار. انظر قوله (صلى الله عليه وسلم) لما سئل عن سبب ذلك؟! قيل: يكفرن بالله؟! قال: ((يكفرن الإحسان)).... الحديث، فنفى عنهم الكفر بالله، الذي يستوجبن به الخلود في النار جميعها من النساء من هو مخلد في النار، ومن لم يكفر ب الله فلا بدَّ أن تدركه الشفاعة ويخرج إلى الجنّة، فتكون النساء في الجنّة أكثر من الرجال، بنص هذا الحديث الصحيح. ((وأقلَّ مايكون للرجل من أهل الجنة زوجتان من نساء الدنيا، وزوجتان من الحور العين)) . بنصّ الرواية الأخرى في الصحيح: زوجتان من الحور العين. وأمَّا ما أخرجه الفريابي من رواية أبي أمامة (رضي الله عنه) ((مامن عبد يدخل الجنة إلاَّ ويزوج اثنتين وسبعين زوجة، اثنتين من الحور العين، وسبعين من أهل ميراثه من أهل الدنيا)). وعند أبي نعيم من روايته: ((للمؤمن في الجنة ثلاث وسبعون زوجة)). فهذا العدد في هذين الحديثين إنما كان للمؤمن ميراثاً ورثة عمّن دخل النار وخلد فيها من الرجال، ولو دخلوا الجنّة لكانت النساء لهم. فإنَّ الله جعل لكلّ مكلّف موضعاً في الجنّة بما يلزمه من النعيم، وموضعاً في النار بما يلزمه من الشقاء، كذا ورد في الحديث. وهذا من حيث الجواز الإمكاني، فإن كلّ أ حد من حيث الإمكان الأصلي صالح لهذا ولهذا. وأمَّا الزوجتان المذكورتان في الصحيح، فإن الله جعلهما لذلك المؤمن حظه وقسمته أصالة لا ميراثاً.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!