الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


306. الموقف السادس بعد الثلاثمائة

ورد في صحيح البخاري: أنه (صلى الله عليه وسلم) ـ: ((يقول الله لآدم ـ (عليه السلام) يوم القيامة: يا آدم اخرج بعث النار من ذريتك، فيقول ياربّ وم بعث النار؟ فيقول: من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعين)). الحديث بطوله.

وقد سأل بعض الإخوان قائلاً: هل يمكن الوقوف على سرّ تفاوت القبضتين الذي هو عشر عشر عشر الأخرى، مع سبق الرحمة؟! فأجبتُ أن سرَّ تفاوت القبضتين، قبضة اليمين وقبضة الشمالِ، في القلة والكثرة. فإنَّ قبضة اليمين عشر عشر عشر قبضة الشمال، هو ظهور كمالات الحق تعالى فإنَّ كثرة وجود النقص في المخلوقات هو دليل كثرة ك مال خالقها. فإنَّ ظهورات الحق تعالى من حيث أسماؤه في الناقص أكمل من ظهوراته في الكامل. فظهور الحق تعالى في أجهل الناس وأعظمهم انقياداً للأمور الطبيعية والحيوانية واتباعاً للهوى أتمّ من ظهوره تعالى في أعلم الناس وأشدّهم اتباعاً للأمر الشرعي والنهي، وأ عظمهم تحقّقاً بالأمور الروحانية، بالنسبة إلى الاسم الظاهر، فظهور الحق تعالى فيما هو أبعد من الحضرة الروحانية أتم ظهور. ولا أبعد من أهل قبضة الشمال، فهذا السر المقتضي لكثرة المقتضي لكثرة أهل قبضة الشمال، فافهم.

وأمَّا سبق الرحمة، فاعلم أنَّ الرحمة ذاتية وصفاتية. وكل منهما عام وخاص، فالرحمة التي سبقت الغضب هي الرحمة الصفاتيّة الخاصة بالمؤمنين، في الدار الآخرة، وهي رحمة خالصة من كل كدر، غير مشوبة بأقل ضرر. وأمَّا الرحمة الذاتية العامة، فهي رحمة الإيجاد العامّة،  المتعلقة بكلّ ممكن. فرحمة الإيجاد سابقة كل شيء: الغضب وغيره. فإنَّ الغضب على المغضوب عليه إنما يكون بما يكون منه. فلهاذ هي رحمة الإيجاد، هي سابقة على الغضب.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!