Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


214. الموقف الرابع عشر بعد المائتين

قال تعالى: ﴿طه{1} مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى{2} إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى{3}﴾[طه: 20/ 1-3].

هذا نداء من الحق تعالى لحبيبه محمد (صلى الله عليه وسلم) وإشفاق عليه وإخبار له، وبشارة بأنه تعالى ما أنزل عليه القرآن، أي ما تجلّى عليه وكشف له، وأنزل عليه القرآن إنزال كشف، وهي حضرة الجمع والوحدة المطلقة ليشقى. كان (صلى الله عليه وسلم) إذا نزل من شهادة حضرة القرآن و الجمع، إلى حضرة الفرقان والتعدّد، رأى أنَّ ذلك الشهود، أعني شهود القرآن، نقص في مقامه، وهو مقام رسالته(صلى الله عليه وسلم) مخل بوساطته قادح في كمال عبوديته، فكان يحب ستر ذلك عنه (صلى الله عليه وسلم) وهو مغنى ما ورد في صحيح مسلم وغيره: ((إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم مئة مرة)).

فهو غين أنوار، كما قال العارف ، ل غين أغيار، فأخبره الحق تعالى أنه لا يَشقى بهذا، بمعنى أنه لا ينقصه شيئاً من مقام رسالته ومرتبة وساطته، وخدمته وعبوديته.

وجه آخر: خاطبه تعالى بهذا، حيث كان الغالب على ظاهره (صلى الله عليه وسلم) شهود الفرقان، وهو مقام الرسالة، فكان يتعب ويشقى بغلبة هذا الشهود، فإنه يقتضي من العبودية الوفاء بحق الربوبية، والوفاء بما تقتضيه الربوبية من العبودية على الكمال محال، حتى من الرسل عليهم الصلاة والسلام يقوم حتى تورّمت قدماه، وجاع حتى شدّ الحجر على بطنه: ﴿إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى﴾[طه: 20/3].

أي ما أنزلنا عليك القرآن، أو على غيرك نزول كشف، وهي حضرة الجمع، إلاَّ تذكرة لروحك، بما تقدّم لها من العلم والكشف، ثم نسبت تلك الحضرة بنزولها إلى حضرة الفرقان، فغلبت خشيتها على أمنها وضيقها على سعتها، إذ بمشاهدة حضرة القرآن يخفّ الحرج، ويحصل الفرج، والراحة والسعة طبعاً باطناً، وإن أعطى شهود الفرقان ضدّ ذلك ظاهراً شرعاً، فإن حضرة القرآن حضرة الذات، وهي ظلمة محضة لا نور فيها أصلاً.

والأكمل اعتدال الشهودين، وهو المراد بالخطاب بهذه الآية ونحوها، وهو مقام الرسل والورثة الكمّل صلى الله عليهم أجمعين ومن لم تغلب عليه الخشية ل ينزل عليه القرآن، ولا تتجلّى له تلك الحضرة، فلا يكون من أهل الشهود والعيان، فمقام الرسالة إنما هو من حضرة الفرقان، ربّ وعبد، عابد ومعبود، قال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾[الفرقان: 25/1].

فعلل تعالى نزول الفرقان بالنذارة، وهي مقام الرسالة. وحضرة القرآن هي شهود "كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان" وقوله: ﴿إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾[القمر: 54/ 49].

على قراءة رفع "كلّ".


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!