الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


213. الموقف الثالث عشر بعد المائتين

قال تعالى: ﴿وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾[البقرة: 2/ 216]، [البقرة: 2/232]، [آل عمران: 3/66]، [النور: 24/ 19].

ذكر تعالى ذلك في مواضع من القرآن، أثبت تعالى العلم له ونفاه عن غيره، أعني من أثبت نفسه غيراً:

﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً﴾ [النساء: 4/ 122].

فهو تعالى العالم لا غيره، يعلم علماً مطلقاً علم التعلّق بكل م يصحّ أن يعلم، في مرتبة تجرّده عنكم، وهي مرتبة "الله"، ويعلم علماً مقيّداً بكم ومنكم، في مرتبة تقيده وتعينّه بكم، وهذه مرتبة العلم المذكور في قوله تعالى: "حتى نعلم، ولنعلم، ويعلم، وأنتم لا تعلمون" ، من حيث غيريتّكم وسوائيتكم. فلا علم لكم قديم ولا حادث. وكما أن الله يعلم وأنتم لا تعلمون، فكذلك فالله يريد وأنتم لا تريدون، والله يقدر وأنتم لا تقدرون، والله يتكلم وأنتم ل تتكلمون، والله يبصر وأنتم لا تبصرون، والله يسمع وأنتم لا تسمعون...

الخ، لأنَّ هذه كلها توابع الوجود، وحيث لم يكن الوجود من أنفسكم وذواتكم لم يكن لكم شيء من توابعه. فإذا توهمتم، وتخيلتم، أنَّ شيئاً من ذلك لكم فهو خيال باطل، وإنما ذلك لوجودكم، الذي به أنتم أنتم، ومن جهل ما منه يعلم كيف يصح أن يعلم؟ أو يسمى عالماً؟ فالواجب على الطالب: أن يطلب معرفة ما به يعلم، ثم يطلب أن يعلم ما يعلم، فمن كشف عنه الغطاء عرف نفسه، فعرف ذلك، ومن بقي في حجابه بقي جاهلاً، مركباً جهله بنفسه، وجهله بجهله بها، وهذا على سبيل التحديث بالمألوف، وإلاَّ فكما أنه لا يعلم، كذلك لا يجهل، لأن الجهل والعلم إنما يتواردان على محل قابل.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!