المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف
للأمير عبد القادر الحسني الجزائري
![]() |
![]() |
161. الموقف الواحد والستون بعد المائة
قال تعالى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ﴾[البقرة: 2/ 198].
هي إرشاد وتعريف، وأمر وتكليف، لمن حجّ الذات العلية من السالكين المردودين. وقف بعرفات الوحدة الذاتية، حضرة القرآن الكريم العظيم، إذا أفاض ورجع منها إلى حضرة الصفات وموطن الفرقان والتكليف، أن يذكر الله تعالى بأمره ونهيه الذي هو أفضل من ذكر اللسان، قائماً عندما حدّه وشرعه المشعر الحرام محمد (صلى الله عليه وسلم) إذ كل مأمور بتعظيمه من قبل الحق تعالى فهو مشعر، كما قال: ﴿وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ ﴾[الحج: 22/ 32]
ولأنه (صلى الله عليه وسلم) من حيث حقيقته محل الشعور والمعرفة، فليس لوليّ ولا لنبيّ يأتي بعده (صلى الله عليه وسلم) كعيسى (عليه السلام) أن يتعدَّى شرع محمد (صلى الله عليه وسلم) أو يبدّل أو يغير شيئاً منه، فغاية الولي الكامل العظيم المنزلة في منازل القرب والولاية أن يعرّفه الحق تعالى ما جهل الناس من شرع محمد (صلى الله عليه وسلم) فيخبره بأن هذا الحكم من شرع محمد، وغلط فيه النقلة، فلم يعملوا به، وهذا الحكم ليس من شرع محمد وغلط فيه النقلة، فلم يعملو به، وهذا الحكم ليس من شرع محمد وغلط فيه النقلة فأدخلوه فيه، ليس غير هذا. فسلسلة الشرع المحمّدي لا تنفك عن رقبة سالك، ول واصل، ولا عالم بالله، ولا جاهل، فليحذر المؤمن المشفق على دينه من الزنادقة الملحدة، الذين يقولون إنهم وصلوا إلى عين الحقيقة، واستغنوا عن محمد (صلى الله عليه وسلم) أو عن العمل بشرعه، الحرام عن كل مخلوق الوصول إلى معرفة حقيقته، كم هي، فلم تعد ولن تعلم أبداً.
﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ﴾[البقرة: 2/198].
أي اذكروا محمداً بتعظيم وتوقير، واعرفوا له قدره ووساطته لأجل هدايتكم إلى الله تعالى ـ، وإلى معرفته، وإرشادكم إلى الصراط المستقيم، كما قال: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: 42/ 49].
صراط الله، فهو (صلى الله عليه وسلم) الممد لكل نبي ووليّ من لدن خلق العالم إلى غير نهاية، عرف ذلك من عرفه، وجهله من جهله، فإذا قال الولي: قال لي الحق تعالى كذا وكذا، فليس ذلك إلاَّ بواسطة روحانيته (صلى الله عليه وسلم) والأكابر لا يجهلون ذلك ، ﴿ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ ﴾[البقرة: 2/198].، قبل التفاته إليكم التفات عناية بالإمداد والإرشاد ﴿لَمِنَ الضَّآلِّينَ﴾[البقرة: 2/198].الحائرين الجائرين عن صوب الصواب، ومعرفة المدخل والباب، ولا يصح عود الضمير المتصل "بقبل" إلى الله تعالى ولا إلى غيره إلاَّ بتكلف: ﴿ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ﴾[البقرة: 2/199].
هو تأكيد وتفصيل للأمر السابق، أي إذا وفقتم إلى ما شرعه محمد (صلى الله عليه وسلم) ظاهراً وباطناً فقفوا من حيث وقف الناس، وأفيضوا من حيث أفاضوا، فأقيمو معهم واجبات الشرع العينية، وواظبوا معهم على سنن الجماعات، ولا تخالفوهم في إقامة شعيرة من شعائر الدين، ولا تقولوا نحن الحمس أهل الحرم، وأصحاب الشرف، لا يلزمن ما يلزم الناس، فإنَّ هذا القول هو الضلال البعيد، والخسران المبين.
﴿ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ﴾[البقرة: 2/199].
اطلبوا منه الستر على أحوالكم التي تفضّل عليكم بها، وخصّكم بمزيتها، فإنَّ الظهور يقطع الظهور، إلاَّ لكامل متمكن واحد الوقت، وفي الخبر: «لا يستويان مؤمن يشار إليه، ومؤمن لا يشار إليه».
فكما أن الرسول مأمور بإظهار حاله ونشر دعوته والتحدّي بالمعجزة، فالولي بضدّه مأمور بستر حاله، وإخفاء مواهب الله له، إلاَّ لإخوته أهل طريقته، فإن أظهره الله تعالى رغماً عنه فذلك إلى الله تعالى ، لا اختيار له فيه، ولو خيّر لاختار الإخفاء.
![]() |
![]() |





