الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


162. الموقف الثاني و الستون بعد المائة

قال تعالى: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾[القمر: 54/ 50].

أمره تعالى هو أ ول صادر بلا واسطة، فهو قديم وهو عبارة عن التوجّه والإرادة الكلية، فهو كلمته الكلية، وهو الحقيقة المحمدية المسماة بالروح الكلي، وبغيره من الأسماء. ولا تعرف المخلوقات جميعا من هذا الأمر سوى وجوده لا غير، فلا يعرف م هو عليه إلاَّ الله تعالى كما أنه هو لا يعرف من الحق تعالى سوى وجوده. ومن رآه رأى الحق تعالى ، ومن عرفه عرف الحق تعالى . وهو الحجاب الأعظم الذي لا يرتفع عن وجه الحق تعالى لا دنيا ولا آخرة، وهو الإزار، وهو الرداء، كم ورد في الصحيح: «وليس بين القوم وبين أَنْ ينظروا إلى ربهم إلاَّ رداء الكبرياء على وجهه في جنّة عدن». أخبر تعالى أن أمره الذي هو صورة علمه بالمعلومات إنم كان بكلمة واحدة وهي "كن" من غير حرف ولا صوت، وإنما هو كلام نفسي، "فكن" عبارة عن التوجه الإرادي كما يتوجّه أحدنا ولله المثل الأعلى على المرأة فتنطبع صورته في المرآة بمجرد التوجه، فقام هذا التوجه مقام قوله لصورته: كوني مطيعة، وذلك كلام من غير حرف ولا صوت، ولا يستحيل شرعاً أن يكون بكلام لائق بجلالته ونزاهته، كلمح البصر،  تشبيه في السرعة وعدم المعالجة والمزاولة، وفإذا كان أمره الذي هو صورة علمه، وهو محتو على جميع المعلومات إجمالاً وتفصيلاً، من عالم الأرواح، وعالم المثال، وعالم الأجسام، دني وبرزخاً، وآخرة، جواهر وأعراضاً، صدر عنه كلمح بالبصر، فكيف بغيره من المخلوقات الجزئية. وماهي إلاَّ كما قال:

﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾[النحل: 16 /40].

بل أ مر الله يقول للشيء "كن فيكون" كما قال: "إنَّم أمره" أي أمر الحق تعالى المتكلم عنه، إذا أراد شيئاً أن يقول له: "كن فيكون" به تعالى.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!