The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


13. الموقف الثالث عشر

قال تعالى: ﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً﴾[الكهف: 18/ 78].

كنتُ مغرماً بمطالعة كتب القوم رضي الله عنهم منذ الصبا، غير سالك طريقهم، فكنت في أثناء المطالعة أعثر على كلمات تصدر من سادات القوم وأكابرهم، يقف (أي يقوم منها) شعري، وتنقبض منها نفسي، مع إيماني بكلامهم، على مرادهم، لأنني على يقين من آدابهم الكاملة، وأخلاقهم الفاضلة، وذلك كقول عبد القادر الجيلي (رضي الله عنه):

«معاشر الأنبياء، أوتيتم اللقب، وأوتينا ما لم تؤتوه»

وقول أبي الغيث بن جميل رضي الله عنه

«خصنا بحراً وقفت الأنبياء بساحله».

وقول الشبلي رضي الله عنه لتلميذه:

«أتشهد أني محمد رسول الله؟».

فقال له التلميذ: أشهد أنك محمد رسول الله.

...ومثل هذا كثير عنهم.

وكل ما قاله القائلون المأوّلون لكلامهم، لم تسكن إليه النفس، إلى أن منَّ الله تعالى عليَّ بالمجاورة بطيبة المباركة فكنت يوماً في الخلوة متوجهاً، أذكر الله تعالى فأخذني الحق تعالى عن العالم، وعن نفسي، ثم ردني وأنا أقول: «لو كان موسى بن عمران حيّاً ما وسعه إلاَّ اتباعي، على طريق الإنشاء، ل عن طريق الحكاية، فعلمت أن هذه القولة من بقايا تلك الأخذة، وأني كنت فانياً في رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أكن في ذلك الوقت فلاناً، وإنما كنت محمداً. وإلاَّ لما صّح لي قول ما قلت إلاَّ على وجه الحكاية عنه صلى الله عليه وسلم .

وكذا وقع لي مرة أخرى في قوله صلى الله عليه وسلم ـ:

((أنا سيّد ولد آدم ولا فخر)).

وحينئذٍ تبين لي وجه ما قال هؤلاء السادة، أعني أنّ هذا نموذج ومثال، ل أني أشبه حالي بحالهم، حاشاهم، ثم حاشاهم، ثم حاشاهم، فإن مقامهم أعلى وأجلّ، وحالهم أتّم وأكمل، وكذا قال الشيخ الجيلي:

«كل من اجتمع هو وآخر في مقام من المقامات الكمالية كان كل منهما عين الآخر في ذلك المقام ومن عرف ما قلناه علم معنى قول الحلاج وغيره».

انتهى كلام الجيلي رضي الله عنه.

وقبل أن تصدر منّي هذه المقالة: كنت ثالث ليلة من رمضان متوجهاً للروضة الشريفة فحصل لي حال وبكاء. فألقى الله تعالى في قلبي أنه عليه الصلاة والسلام يقول لي: ((أبشر بفتح)). فبعد ليلتين: كنت أذكر الله تعالى فغلبني النوم فرأيت ذاته الشريفة امتزجت مع ذاتي، وصارتا ذاتاً واحدة. أنظر ذاتي فأرى ذاته الشريفة ذاتي. فقمت فزعاً مرعوباً فرحاً، فتوضأتُ ودخلتُ المسجد للسلام عليه صلى الله عليه وسلم ثم رجعت إلى الخلوة، وجعلت أذكر الله تعالى فأخذني الحق تعالى عن نفسي وعن العالم، ثم ردّني بعد أن ألقى إليَّ قوله: ﴿الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ﴾[البقرة: 3/ 71].

فعلمت أن الإلقاء تصديق للرؤيا. ثم بعد من يوم أخذني الحق تعالى عن نفسي كالعادة، فسمعت قائلاً يقول لي: «انظر ما أكننته حتى كنته» بهذه السجعة الجناسية المباركة. فعلمت أنَّ هذه المقولة: تصديق للرؤيا السابقة، والحمد لله تعالى، وقد أمرني الحق تعالى بالتحدث بالنعم، بالأمر العام لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾[الضحى: 93/11].

لأن الأمر له صلى الله عليه وسلم أمر لأمّته، إلاَّ ما ثبت اختصاصه به، وأمرني بالخصوص مراراً، بإشارة هذه الآية الشريفة: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!