الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


101. الموقف الواحد بعد المائة

قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[الإسراء: 17/ 1].

أخبر تعالى في هذه الآية، أنه أسرى بعبده محمد بجسده وروحه ليريه من آيات الآفاق، بعد أن أراه آياته في نفسه، كما قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَ فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ﴾[فصلت: 41/ 53].

حتى يتبين لهم أن ما رأوه الحق لا غيره، وهذه حالة المرادين المجذوبين، المصطفين، يريهم آيات الأنفس قبل آيات الآفاق، خلاف المريدين، ثم أخبر تعالى: أنه أي محمد هو السميع البصير، فعيل بمعنى مفعول، أي كل ما أبصره وسمعه محمد في إسرائه هو محمد من حيث حقيقته، فإنها هيولى العالم وحقيقة الحقائق، وهو الإنسان الأزلي، وهو الأول و الآخر، والظاهر والباطن، وهو بكلّ شيء عليم، كما أن الحق تعالى له هذه الصفات. فإن الله تعالى لما أوجد حقيقته، قال له: أعطيتك أسمائي وصفاتي فمن رآك رآني، ومن علمك علمني، ومن جهلك جهلني، غاية من دونك أن يصلوا إلى معرفة نفوسهم منك، وغاية معرفتهم بك العلم بوجودك، لا بكيفيتك وكذلك أنت معي لا تعرفني إلاَّ من حيث الوجود، فحقيقة محمد هي المشهودة لأهل الشهود، وهي التي يتغزّلون بها، ويتلذّذون بحديثها في أسمارهم، وهي المعنيّة عندهم بليلى وسلمى، وهي المكنى عنها بالخمر، وبالشراب والكأس، والنار والنور و الشمس، وبالبرق ونسيم الصبا، و المنازل والرسوم والرُّبَى، وهي نهاية سير السائرين، وغاية مطلوب العارفين.

وبعدما كتبت هذا الموقف خطر في بالي إنه إذا وقف عليه بعض من لم يكشف له سر الحقيقة المحمدية ربما يقول ما قال الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى لما وقف على شفاء عياض: لقد تغالى هذا المغيربي، ثم نمت فقيل لي في المنام: زد وهي نار موسى وعصا موسى ونفس عيسى الذي كان يحيي به الموتى ويبرئ الأكمة والأبرص. فلم استيقظت زدتها.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!