The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

فصوص الحكم وخصوص الكلم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مع تعليقات الدكتور أبو العلا عفيفي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ويثني على الحق وما درى أنه يثني على نفسه، لأن إله المعتقد من صنعه- والثناء على الصنعة ثناء على الصانع. ولو عرف هذا المعتقد حقيقة الأمر، وأن غيره ما عبد إلا الحق في صورة خاصة من صور الاعتقاد، أي لو عرف قول الجنيد وقد سئل عن الله فقال: «لون الماء لون الإناء»- لو عرف كل ذلك ما أنكر على غيره ما يعبده، لأن ذلك الغير يظن- ولا يعلم- أن معبوده هو الله، والله تعالى يقول: «أنا عند ظن عبدي بي» أي إنني لا أتجلي لعبدي إلا في صورة معتقده الخاص. وإله المعتقدات يسعه القلب لأنه محصور محدود، أما الله من حيث هو فلا يسعه شي‏ء، لأنه عين كل شي‏ء وعين ذاته، ولا يقال في الشي‏ء إنه يسع ذاته أو لا يسعها.

فعلى الرغم من قوله بوحدة الوجود وتصريحه بأن الحق والخلق حقيقة واحدة لا تمايز بينهما إلا في وجوب الوجود الذي هو للحق خاصة، يعبد ابن عربي ذلك الحق ويعشقه. ولكن العبادة لها عنده معنى يختلف عما يفهم الناس منها عادة في العرف الديني. فالمعبود عنده هو الجوهر الأزلي القديم المقوم لجميع صور الوجود، والعابد هو الصورة المتقومة بهذا الجوهر. فكل صورة من الصور ناطقة بألوهية الحق، وكل معبود من المعبودات وجه من وجوه. أياما تولوا فثم وجه الله، وأياما تعبدوا فإنكم لا تعبدون سواه. قال تعالى: «وَ قَضى‏ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ». يقول ابن عربي: حكم وقدر أزلًا أنكم لا تعبدون غير الله مهما تكن صور معبوداتكم.

وأرقى أنواع العبادة وأحقها بهذا الاسم في نظره هو التحقق بالوحدة الذاتية بين العابد والمعبود: أي التحقق ذوقاً بأنك أنت هو وهو أنت: أنت هو من حيث صورتك، ومن هنا كان لك الافتقار والإمكان: بل العدم الذاتي. وهو أنت بالعين‏


-

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في فصوص الحكم



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!