و أرذل العمر ما لا يحصل لنا فيه علم فقال ﴿لِكَيْ لاٰ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً﴾ [النحل:70] فأما أن يكون منع الزيادة و إما أن يكون اتصف بعدم العلم في حال الهرم لشغله بما هو عليه من الضعف المفرط فإن الدنيا بالإنسان حامل و الهرم شهر ولادتها فتقذفه من بطنها إلى البرزخ و هو المنزل الأول من منازل الآخرة فيتربى فيه كما يتربى المولود إلى يوم البعث و هو حد الأربعين حد الزمان الذي تبعث فيه الرسل الذين هم أكمل العالم علما بالأمور الإلهية فيحوزون القوة في دار الكرامة التي لا ضعف يعقبها فيتكون عنهم حساما يتكون هنا في خيالهم معنى و قد يكون في متعلق خاص حسا قدرة عليه كمن يريد أن يقوم فيقوم و يريد أن يكتب فيكتب و أما ما لا قدرة له و لا قوة له عليه إن يكون منه في الحس عليه فإنه يقوى على إيجاده خيالا في نفسه فذلك عينه يكون له في الآخرة حسا محسوسا و إن كان في قضية العقل محالا فما استحال وجوده في الخيال كذلك لا يستحيل وقوعه حسا لأن الخيال على الحقيقة إنما هو حضرة من حضرات الحس و لهذا يلحق المعاني بالمحسوسات في الصورة فيتخيل المحال محسوسا فيكون في الآخرة أو حيث أراد اللّٰه محسوسا و لهذا كان في الآخرة لا في الأولى فإن الخيال في الدرجة الاخيرة من الحس فإنه عن الحس يأخذ ما يكسوه من الصور للمحال و غيره فلهذا حيث كان لا يكون إلا في الآخرة فتنبه و أي قوى أعظم قوة ممن يلحق المحال الوجود بالوجود المحسوس حتى تراه الأبصار كوجود الجسم في مكانين فكما نتخيله هنا كذلك يقع في الآخرة حسا سواء و ما عندنا في العلم أهون من إلحاق المحال بالممكن في الوجود و لا أصعب من إلحاق الممكن بالمحال و هو عدم وقوع خلاف المعلوم مع إمكانه في نفسه فهذا إلحاق الممكن بالمحال فنقول في الذي كنا نقول فيه ممكن عقلا محال عقلا فتداخلت الرتب فلحق المحال بالممكن أي برتبته و لحق الممكن برتبة المحال و سبب ذلك تداخل الخلق في الحق و الحق في الخلق بالتجلي و الأسماء الإلهية و الكونية فالأمر حق بوجه خلق بوجه كل كون كون منه فالحضرة الإلهية جامعة لحكم الحق في الخلق و الخلق في الحق و لو لا ذلك ما اتصف الحق بأن العبد يغضبه و يسخطه فيغضب الحق و يسخط و يرضيه فيرضى و أما كون الحق يسخط العبد و يغضبه و يرضيه فالعامة تعرف هذا و هذا من علم التوالج و التداخل فلو لا وجود حكم القوة ما كان هذا فإن الضعف مانع قوى فانظر حكم القوة كيف سرى في الضعف حتى تقول في الضعيف إذا قوى عليه الضعف بحيث لا يستطيع الحركة فتنسب القوة للضعف فوصفته بضده فمن هنا تعرف قول أبي سعيد الخراز لما قيل له بما ذا عرفت اللّٰه قال بجمعه بين الضدين ثم تلا ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظّٰاهِرُ وَ الْبٰاطِنُ﴾ [الحديد:3] فبالقوة تقوى الضعف و بالأقوى ضعفت القوة و هذا الفرق بين الأقوى و القوي كالأقرب و القريب فكل أقرب قريب و ما كل قريب أقرب و كل أقوى قوى و ما كل قوى أقوى و قد ذكرنا في هذه الحضرة ما فيه غنية و كفاية ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4]
«المتين حضرة المتانة»
إن قلت قولا صحيحا *** أنا القوي المتين
أو كان غير صحيح *** أنا الضعيف المهين
و أيضا
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية