﴿اَلْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطٰابِ﴾ [ص:20] و هو من الحكمة فإنه لفصل الخطاب موطن يعطي الحكمة لصاحبها أن لا يظهر منه في ذلك الموطن إلا فصل الخطاب و هو الإيجاز في البيان في موطنه لسامع خاص لذي حال خاص و الإسهاب في البيان في موطنه لسامع خاص ذي حال خاص و مراعاة الأدنى أولى من مراعاة الأعلى فإن ذلك من الحكمة فإن الخطاب للافهام فإذا كرر المتكلم الكلام ثلاث مرات حتى يفهم عنه كما كان كلام رسول اللّٰه ﷺ فيما يبلغه عن اللّٰه للناس يراعي الأدنى ما يراعي من فهم من أول مرة فيزيد صاحب الفهم في التكرار أمورا لم تكن عنده أفادها إياه التكرار و الأدنى الذي لم يفهم فهم الأول فهم بالتكرار ما فهمه الأول بالقول الأول أ لا ترى العالم الفهم المراقب أحواله يتلو المحفوظ عنده من القرآن فيجد في كل تلاوة معنى لم يجده في التلاوة الأولى و الحروف المتلوة هي بعينها ما زاد فيها شيء و لا نقص و إنما الموطن و الحال تجدد و لا بد من تجدده فإن زمان التلاوة الأولى ما هو زمان التلاوة الثانية فافهم فتعطي هذه الحضرة علم الترتيب و إعطاء كل شيء حقه و إنزاله منزلته فيعلم العبد المراقب أن اللّٰه هو واضع الأشياء و هو الحكيم فما وضع شيئا إلا في موضعه و لا أنزله إلا منزلته فلا تعترض على اللّٰه فيما رتبه من الكائنات في العالم في كل وقت و لا يرجح نظره و فكره على حكمة ربه فيقول لو كان كذا في هذا الوقت لكان أحسن في النظم من الترتيب فما أخطأ إلا في قوله في هذا الوقت لا في قوله لو كان كذا لكان أحسن فلما غابت عنه حكمة الوقت تخيل أن ذلك الذي هو أحسن إن هذا الوقت يقتضيه و هذا نظر عقلي فإن الأزمنة لكل ممكن على نسبة واحدة فليس زمان لشيء بأولى من زمان آخر و لكن أين فائدة المرجح إلا علمه بالزمان و ما يقتضيه لأنه خالق الزمان و ما هذا الناظر خالق الزمان فهو يعلم ما خلق فما رتب فيه إلا ما استحقه بخلقه فإنه أعطى كل شيء خلقه فالحكيم من حكمته الحكمة فصرفته لا من حكم الحكمة فإنه من حكم الحكمة له المشيئة فيها و من حكمته الحكمة فهي المصرفة له و إذا قامت الصفة بالموصوف أعطته حكمها عطاء واجبا قال تعالى
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية