و ما صنعوا الحبال و لا العصي و إنما صنعوا في أعين الناظرين صور الحيات و هي التي تلقفت عصا موسى فتنبه لما ذكرت لك فإن المفسرين ذهلوا عن هذا الإدراك في أخبار اللّٰه تعالى فإنه ما قال تلقف حبالهم و عصيهم فكانت الآية عند السحرة خوف موسى و أخذ صور الحيات من الحبال و العصي و علموا إن الذي جاء به موسى من عند اللّٰه فآمنوا بما جاء به موسى عن آخرهم و خروا سجدا عند هذه الآية و ﴿قٰالُوا آمَنّٰا بِرَبِّ الْعٰالَمِينَ رَبِّ مُوسىٰ وَ هٰارُونَ﴾ حتى يرتفع الالتباس فإنهم لو وقفوا على العالمين لقال فرعون أنا رب العالمين إياي عنوا فزادوا رب موسى و هارون أي الذي يدعو إليه موسى و هارون فارتفع الإشكال فتوعدهم فرعون بالعذاب فآثروا عذاب الدنيا على عذاب الآخرة و كان من كلامهم ما قص اللّٰه علينا و أما العامة فنسبوا ما جاء به موسى إلى أنه من قبيل ما جاءت به السحرة إلا أنه أقوى منهم و أعلم بالسحر بالتلقف الذي ظهر من حية عصا موسى عليه السلام فقالوا هذا سحر عظيم و لم تكن آية موسى عند السحرة إلا خوفه و أخذ صور الحيات من الحبال و العصي خاصة فمثل هذا خارج عن قوة النفس و عن خواص الأسماء لوجود الخوف الذي ظهر من موسى في أول مرة فكان الفعل من اللّٰه و لما واقع السحرة اللبس على أعين الناظرين بتصيير الحبال و العصي حيات في نظرهم أراد الحق أن يأتيهم من بابهم الذي يعرفونه كما قال تعالى ﴿وَ لَلَبَسْنٰا عَلَيْهِمْ مٰا يَلْبِسُونَ﴾ [الأنعام:9]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية