أراد بالدين هنا العادة و نحن إنما تكلمنا في الدين المشروع الذي العادة جزء منه فيكشف للذاكر بهذا الذكر علم الارتداد و هو الرجوع الذي في قوله ﴿وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ [هود:123] فمن الناس من عجل له هنا الرجوع إلى اللّٰه و ليس ذلك إلا للعارفين بالله فإنهم يرجعون في أمورهم كلها إلى اللّٰه و لا يزالون يستصحبهم ذلك إلى الموت فيموتون عليه و إنما وصفوا بالكفر لأنهم تستروا بالأسباب و لم يقولوا بإبطالها فهم في نفوسهم و حالهم مع اللّٰه و بظاهرهم في الأسباب فإنهم يرون الأسباب راجعة إلى اللّٰه فرجعوا لرجوعها و رجعوا بها إلى اللّٰه فلما لم يفقدهم أصحاب الأسباب في الأسباب تخيلوا فيهم أنهم أمثالهم فيما هم فيه فجاءت هذه الآية ذما في العموم و حمدا و مدحا في الخصوص و لهذا تممها فقال فيهم إن أعمالهم حبطت لأنه أضافها إليهم و أعطاهم الرجوع إلى اللّٰه العلم بأن أعمالهم إلى اللّٰه لا إليهم فحبطت أعمالهم من الإضافة إليهم و صارت مضافة إلى اللّٰه كما هي في نفس الأمر و قوله في الدنيا يريد من عجل له الكشف عن ذلك هنا و قوله في الآخرة يريد من أخر له ذلك و هو الجميع إذا انكشف الغطاء و أما إضافة الدين إليه في قوله ﴿عَنْ دِينِهِ﴾ [البقرة:217] و إنما الدين لله فإن الراجع إذا رآه في رجوعه لله لا إليه زالت هذه الإضافة عنه لشهوده و إنما قلنا بإضافة الدين إليهم في هذه الآية لأنه أظهر في الحكم من أجل قوله ﴿حَتّٰى يَرُدُّوكُمْ﴾ [البقرة:217] يعني في الفتنة ﴿عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطٰاعُوا﴾ [البقرة:217] فأضاف الدين إليهم فكان الأوجه أن يكون في ضمير الهاء على ما هو عليه في ضمير الخطاب سواء و إن جاز أن يكون ضمير الهاء يعود على اللّٰه لكن الأصل في الضمائر كلها عودها على أقرب مذكور إذا عريت عن قرائن الأحوال و قوله في تمام الهجير ﴿وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْخٰاسِرُونَ﴾ [التوبة:69] لهذا الكشف لأنهم رأوا ما كانوا يتخيلون فيه أنه إليهم ليس إليهم فخسروا رأس المال و لا أعظم خسرانا منه فما كان من اللّٰه إليهم بعد هذا من الإنعام فإنما هو من الاسم الوهاب المعطي لينعم فما لهم في نظرهم عطاء جزاء لعامل فهذا و أمثاله هو الذي يعطي هذا الذكر لمن كثر دؤوبه عليه
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية