[الحياة النفسية بعد الموت]
ذكر عبد الكريم بن هوازن القشيري في بعض كتبه و غيره عن رجل من الناس أنه دفن رجلا من الصالحين فلما جعله في قبره نزع الكفن عن خده و وضع خده على التراب ففتح الميت عينيه و قال له يا هذا أ تذللني بين يدي من أعزني فتعجب من ذلك و خرج من القبر و رأيت أنا مثل هذا لعبد اللّٰه صاحبي الحبشي في قبره و رآه غاسله و قد هاب أن يغسله في حديث طويل ففتح عينيه في المغتسل و قال له اغسل فمن أحوالهم بعد الموت أنهم أحياء بالحياة النفسية التي بها يسبح كل شيء و من كانت له همة بمعبده في حال عبادته في حياته بحيث أن يكون يحفظها من الداخل فيها حتى لا يتغير عليه الحال إن كان صاحب نفس فإذا مات و دخل أحد بعده معبده ففعل فيه ما لا يليق بصاحبه الذي كان يعمره ظهرت فيه آية و هذا قد رويناه في حكاية عن أبي يزيد البسطامي كان له بيت يتعبد فيه يسمى بيت الأبرار فلما مات أبو يزيد بقي البيت محفوظا محترما لا يفعل فيه إلا ما يليق بالمساجد فاتفق أنه جاء رجل فبات فيه قيل و كان جنبا فاحترقت عليه ثيابه من غير نار معهودة ففر من البيت فما كان يدخله أحد فيفعل فيه ما لا يليق إلا رأى آية فيبقى أثر مثل هذا الشخص بعد موته يفعل مثل ما كان يفعله في حياته سواء و قد قال بعضهم و كان محبا في الصلاة يا رب إن كنت أذنت لأحد أن يصلي في قبره فاجعلني ذلك فرئي و هو يصلي في قبره و قد مر رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم ليلة إسرائه بقبر موسى عليه السّلام فرآه و هو يصلي في قبره ثم عرج به إلى السماء و ذكر الإسراء و ما جرى له فيه مع الأنبياء و رأى موسى في السماء السادسة و قد رآه و هو يصلي في قبره فمن أحوال هذا الشخص بعد موته مثل هذه الأشياء لا فرق في حقه بين حياته و موته فإنه كان في زمان حياته في الدنيا في صورة الميت حاله الموت فجعله اللّٰه في حال موته كمن حاله الحياة جزاء وفاقا و من صفات صاحب هذا المقام في موته إذا نظر الناظر إلى وجهه و هو ميت يقول فيه حي و إذا نظر إلى مجس عروقه يقول فيه ميت فيحار الناظر فيه فإن اللّٰه جمع له بين الحياة و الموت في حال حياته و موته و قد رأيت ذلك لوالدي رحمه اللّٰه يكاد إنا ما دفناه إلا على شك مما كان عليه في وجهه من صورة الأحياء و مما كان من سكون عروقه و انقطاع نفسه من صورة الأموات و كان قبل أن يموت بخمسة عشر يوما أخبرني بموته و أنه يموت يوم الأربعاء و كذلك كان فلما كان يوم موته و كان مريضا شديد المرض استوى قاعدا غير مستند و قال لي يا ولدي اليوم يكون الرحيل و اللقاء فقلت له كتب اللّٰه سلامتك في سفرك هذا و بارك لك في لقائك ففرح بذلك و قال لي جزاك اللّٰه يا ولدي عني خيرا كل ما كنت أسمعه منك تقوله و لا أعرفه و ربما كنت أنكر بعضه هو ذا أنا أشهده ثم ظهرت على جبينه لمعة بيضاء تخالف لون جسده من غير سوء له نور يتلألأ قشعر بها الوالد ثم إن تلك اللمعة انتشرت على وجهه إلى أن عمت بدنه فقبلته و وادعته و خرجت من عنده و قلت له أنا أسير إلى المسجد الجامع إلى أن يأتيني نعيك فقال لي رح و لا تترك أحدا يدخل علي و جمع أهله و بناته فلما جاء الظهر جاءني نعيه فجئت إليه فوجدته على حالة يشك الناظر فيه بين الحياة و الموت و على تلك الحالة دفناه و كان له مشهد عظيم فسبحان من ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشٰاءُ﴾ [البقرة:105]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية