﴿مٰا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾ [ق:29] فأزال عن نفسه بهذا الخطاب إن شاء و إن شاء و ما أبقى له إلا عين ما شاء لا التخيير في ذلك فلما سمع العبد مثل هذا انجبر كسره و علم إن اللّٰه لا يقول مجازا و أن الأمر لما كان في نفسه على هذا ما صح أن يقول مثل هذا القول فزال الانكسار الذي كان عنده و هو «قوله تعالى في الخبر المترجم عنه أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي» أي أنا كسرت قلوبهم بما أوجبته عليهم و أدخلتهم فيه من الاضطرار و أنزلتهم من معقل عزتهم بذلك فلما انكسروا كان عندهم في هذا الكسر جابرا بما أوجبه على نفسه و ما أخبر به أنه ما يبدل القول لديه : و أن الكلمة منه حقت و أزال الاختيار بإزالة الإمكان من العالم فلم يبق إلا واجب بنفسه أو واجب بغيره و هما وصفان لموصوف واحد و لموصوفين و ليس في الكون إلا الرب و المربوب ثم أعطاه بما خيره فيه في هذا الاتساع من المسمى نفلا حكم الاختبار الإلهي في قوله إن شاء و إن شاء فكساه حلته بل العبد أولى بصفة الاختيار من صفة الاضطرار لأن له التردد بالحقيقة لإمكانه و ليس عند الحق ذلك فإذا ظهر مثل هذا من الحق فتعلم إن الحق ظهر في صورة ممكن و لهذا نادبنا في قولنا إن اللّٰه لا ينبغي أن يقال إنه يجوز أن يفعل كذا و يجوز أن لا يفعله و نقول يجوز أن يكون هذا الممكن و يجوز أن لا يكون كما أنه إذا ظهر الاضطرار من العبد إنما يظهر ذلك منه بصورة حق لا بنفسه لأنه لا يكون عبدا إلا بقيامه بمراسم سيده و هو مسلوب الفعل بالأصالة فلا بد أن تظهر بصورة حق إذا ظهر بعبوديته التي هي العمل بما كلف فعله و لذلك لم يقل الحق إنه هوية الشيء و إنما قال إنه هوية العبد فعلمنا إن حكم العبد ما هو حكم الشيء فحكم النفل أحق بالعبد لو لا ما فيه من روائح الربوبية و حكم الفرض أحق بالرب لو لا ما فيه من روائح العبودية فليجعل حكم كل واحد في الموطن الذي جعله اللّٰه فيكون اللّٰه هو الجاعل لا نحن فنخلص و نسلم من الاعتراض علينا عند السؤال من اللّٰه إيانا
[إن اللّٰه تعالى جعل في محبة الجزاء غفر الذنوب]
ثم إن اللّٰه تعالى جعل في محبة الجزاء و هي محبة الكرامة غفر الذنوب و هو سترها و ختم الآية بأنه ﴿لاٰ يُحِبُّ الْكٰافِرِينَ﴾ [آل عمران:32]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية