كما رأينا أول مرئي و سمعنا أول مسموع و شممنا أول مشموم و طعمنا أول مطعوم و لمسنا أول ملموس و عقلنا أول معقول مما لم يكن له مثل عندنا و إن كان له أمثال في نفس الأمر و لكن في أولية الإدراك سر عجيب في نفي المماثلة له فقد أدرك المدرك من لا مثل له عنده فيقيسه عليه و كون ذلك المدرك يقبل لذاته المثل أو لا يقبله حكم آخر زائد على كونه مدركا لا يحتاج إليه في الإدراك إن كنت ذا فطنة
[التوسع الإلهي و نفي المثلية في الأعيان]
بل نقول إن التوسع الإلهي يقتضي أن لا مثل في الأعيان الموجودة و أن المثلية أمر معقول متوهم فإنه لو كانت المثلية صحيحة ما امتاز شيء عن شيء مما يقال هو مثله فذلك الذي امتاز به الشيء عن الشيء هو عين ذلك الشيء و ما لم يمتاز به عن غيره فما هو إلا عين واحدة فإن قلت رأيناه مفترقا مفارقا ينفصل هذا عن هذا مع كونه يماثله في الحد و الحقيقة يقال له أنت الغالط فإن الذي وقع به الانفصال هو المعبر عنه بأنه تلك العين و ما لم يقع به الانفصال هو الذي توهمت أنه مثل و هذا من أغمض مسائل هذا الباب فما ثم مثل أصلا و لا يقدر على إنكار الأمثال و لكن بالحدود لا غير و لهذا انطلق المثلية من حيث الحقيقة الجامعة المعقولة لا الموجودة فالأمثال معقولة لا موجودة فنقول في الإنسان إنه حيوان ناطق بلا شك و أن زيدا ليس هو عين عمرو من حيث صورته و هو عين عمرو من حيث إنسانيته لا غيره أصلا و إذا لم يكن غيره في إنسانيته فليس مثله بل هو هو فإن حقيقة الإنسانية لا تتبعض بل هي في كل إنسان بعينها لا بجزئيتها فلا مثل لها و هكذا جميع الحقائق كلها فلم تصح المثلية إذا جعلتها غير عين المثل فزيد ليس مثل عمرو من حيث إنسانيته بل هو هو و ليس زيد مثل عمرو في صورته فإن الفرقان بينهما ظاهر و لو لا الفارق لالتبس زيد بعمرو و لم تكن معرفة بالأشياء فما أدرك المدرك أي شيء أدرك إلا من ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية