فإنه لا يقاومه شيء من خلقه فلا يستعاذ به إلا منه فإن الإنسان لما حصل في سمعه أنه مخلوق على صورة الحق و لم يفرق بين الإنسان الكامل و بين الإنسان الحيوان و تخيل أن الإنسان لكونه إنسانا هو على الصورة و ما هو كما وقع له و لكنه بما هو إنسان هو قابل للصورة إذا أعطيها لم يمتنع من قبولها فإذا أعطيها عند ذلك يكون على الصورة و يعد في جملة الخلفاء فلا يتصرف من هو على الصورة إلا تصرف الحق بها و تصرف الحق عين ما هو العالم عليه و فيه و أنت تعلم بكل وجه ما العالم فيه من مكلف و غير مكلف و مما ينكر و يعرف و لا يعرف ما ينكر و ما يعرف من العالم المكلف إلا الخليفة و هو صاحب الصورة فالحق له حكم الإنكار لا للعبد فالمعتصم بالله إذا كان صاحب الصورة لا يعتصم إلا منه بأن يظهر به في موطن ينكره عليه و إن كانت صفته فليس له أن يتلبس بها في كل موطن و لا يظهر به في كل مشهد بل له الستر فيها و التحلي بها بحسب ما يحكم به الوقت و هذا هو المعبر عنه بالأدب و لو كان مشهده أنه لا يرى إلا اللّٰه بالله و أن العالم عين وجود الحق و أعظم من هذا الصارف عن الإنكار فلا يكون و لكن لا بد من الإنكار إن صح له هذا المقام فهو ينكر بحق على حق لحق و لا يبالي و حجته قائمة
[القطب العاشر الذي على قلب هود ع]
و أما القطب العاشر الذي على قلب هود عليه السّلام فسورته سورة الأنعام و لها الكمال و التمام في الطوالات و منازله بعدد آيها و لهذا القطب علوم جمة منها علم الاستحقاق الذي يستحقه كل مخلوق في خلقه و علم ما يستحقه ذلك الخلق من المراتب فأما استحقاق الخلق فقوله ﴿أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ [ طه:50] و أما المراتب فالتنبيه عليها من قوله تعالى ﴿وَ مٰا قَدَرُوا اللّٰهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الأنعام:91] و ﴿يٰا أَهْلَ الْكِتٰابِ لاٰ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾ [النساء:171] و هو أن تزيده على مرتبته أو تنقصه منها و ما يتميز العالم العاقل من غيره إلا بإعطاء كل ذي حق حقه و إعطاء كل شيء خلقه و متى لم يعلم ذلك فهو جاهل بالحق و متى علم و لم يعمل بعلمه فهو غير عاقل فلا بد لصاحب هذا المقام أن يكون تام العقل كامل العلم و هذا هو الحفظ الإلهي و العناية العظمى و السلوك على هذه الطريقة المثلى التي هي الطريقة الزلفى هو السلوك الأقوم و لما أتم اللّٰه خلق العالم روحا و صورة و أنزل كل خلق في رتبته جعل بين العالم التحاما روحانيا و جسمانيا لظهور أشخاص كل نوع من العالم إذ كان دخول أشخاص كل نوع في الوجود مستحيلا و إنما فعل ذلك ليظهر فضل الفاعل على المنفعل بالذوق فيعلمون فضل الحق على عباده و يعرفون كيف يتحققون معه في عبودتهم و نسب إليهم الخلق فقال ﴿وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ﴾ [المائدة:110]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية