من نفسه تقلب أحواله فيكون على بصيرة في ذلك من اللّٰه فهذه أيام اللّٰه التي ينبغي أن يذكر العبد بها إلى أمثال ذلك من أيام اللّٰه و هي أيام النعم و أيام الانتقام التي أخذ اللّٰه فيها المقرون الماضية و اعلم أن البلايا أكثر من النعم في الدنيا فإنه ما من نعمة ينعمها اللّٰه على عباده تكون خالصة من البلاء فإن اللّٰه يطالبه بالقيام بحقها من الشكر عليها و إضافتها إلى من يستحقها بالإيجاد و أن يصرفها في الموطن الذي أمره الحق أن يصرفها فيه فمن كان شهوده في النعم هذا الشهود متى يتفرغ للالتذاذ بها و كذلك في الرزايا هي في نفسها مصائب و بلايا و يتضمنها من التكليف ما يتضمنه النعم من طلب الصبر عليها و رجوعه إلى الحق في رفعها عنه و تلقيها بالرضى أو الصبر الذي هو حبس النفس عن الشكوى بالله إلى غير اللّٰه و هذا غاية الجهل بالله لأنك تشكو بالقوي إلى الضعيف لما تجد في حال الشكوى من الراحة مع كونك تشتكي إلى غير مشتكى لأنك تعلم أنه ما بيده شيء و لا يقدر على رفع ما نزل بك إلا من أنزله و قد علمت أن الدار دار بلاء لا يخلص فيها النعيم عن البلاء وقتا واحدا و أقله طلب الشكر من المنعم بها عليها و أي تكليف أشق منه على النفس و لذلك قال تعالى ﴿وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبٰادِيَ الشَّكُورُ﴾ [ سبإ:13] لجهلهم بالنعم إنها نعم يجب الشكر عليها يؤيد ما قلناه قوله تعالى ﴿إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِكُلِّ صَبّٰارٍ شَكُورٍ﴾ [ابراهيم:5] في حق راكب البحر إذا اشتد الريح عليه و برد فيما فيها من النعمة يطلب منه الشكر عليها و بما فيها من الشدة و الخوف يطلب منه الصبر فافهم و تدبر كلام اللّٰه تغنم و ما أنزله اللّٰه إلا تذكرة للبيب كما قال ﴿لِيَدَّبَّرُوا آيٰاتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبٰابِ﴾ [ص:29]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية