﴿فَأَجِرْهُ حَتّٰى يَسْمَعَ كَلاٰمَ اللّٰهِ﴾ [التوبة:6] فلو لا أن الرسول صورته الظاهرة المشهودة ما صح هذا القول فوقعت المخالفة من المخالف بالقدر السابق و الحكم القضائي و لا يتمكن أن يخالف أمره على الكشف فانحجب بالإرسال انحجابه بالأسباب فوقع الذم على الأسباب فهي وقاية الرحمن فما خالف أحد اللّٰه تعالى و ما خولف إلا اللّٰه تعالى فلا تزال الأسباب للمحجوبين مشهودة و لا يزال الحق للعارفين مشهودا مع عقلهم الحجب في حق من حجبته فكثف اللطيف عندهم و لطف الكثيف عند العارفين بالله
فيعلم العقل ما لا يشهد البصر *** و تشهد العين ما ترمي به الفكر
فجمع العارفون بين العقل و البصر فلهم قلوب يفقهون بها و لهم أعين يبصرون بها و لهم آذان يسمعون بها و المحجوبون على قسمين منهم من له قلب لا يفقه به و عين لا يبصر بها و منهم من له قلب يفقه به و له عين لا يبصر بها و هم المؤمنون فيعلمون و لا يشهدون و من عداهم لا يعلمون و لا يشهدون و أهل اللّٰه يعلمون و يشهدون و لهذا إذا خاطبهم يسمعون و يطيعون و يشهدون ذواتهم محلا لما يخلق اللّٰه فيها مما يحكم فيه أنه مخالفة و موافقة فهو مطيع مهيا لقبول ما يتكون فيه كالرحم من المرأة مهيأ لما يتكون فيه غير ممتنع فالعبد الذي بهذه المثابة شجنة موجدة فهو رحمان في العالم رحيم بالمؤمنين فالرب زمانه المربوب و المربوب زمانه الرب لأنه ما ثبت الحكم لكل واحد بما حكم عليه به إلا بالآخر فمن كون كل واحد ينطلق عليه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] لا يكون واحد منهما زمانا للآخر لارتفاع النسب و هذا لا يكون إلا بالنظر لعين كل واحد لا لحكمه فإذا انتقلت إلى النظر في الحكم الذي هو موقوف على العالم به و على الحق بالعالم صح أن يكون الحكم من كل واحد زمانا للآخر كالمتضايفين متى صحت الأبوة لزيد على عمرو قيل حين صحت البنوة لعمرو من زيد فزمان أبوة زيد بنوة عمرو و زمان بنوة عمر و أبوة زيد فالأب زمانه الابن و الابن زمانه الأب و كذلك الملك و الملك و الملك و المالك و القادر و المقدور و المريد و المراد و العالم و المعلوم غير أن العالم و المعلوم قد تكون العين واحدة لأنه قد يكون العالم يعلم نفسه فهو المعلوم لنفسه و هو العالم بنفسه فهو العالم المعلوم له بخلاف المريد و المراد لأن المراد لا يكون أبدا إلا معدوما و لا يكون المريد إلا موجودا و كذلك القادر و المقدور لا يكون المقدور أبدا إلا معدوما فإذا وجد فلا معدم له بعد وجوده إلا بنفسه أو إمساك شرط بقائه أي بقاء الوجود عليه غير ذلك لا يكون فقوله ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ [النساء:133]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية