﴿لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [المائدة:66] و هو ما خرج من فروع أشجار الجنان على السور فظلل على هذا المرج فقطفه السعداء و من تحت أرجلهم هو ما أكلوه من الدر مكة البيضاء التي هم عليها و وضع الموازين في أرض الحشر لكل مكلف ميزان يخصه و ضرب بسور يسمى الأعراف بين الجنة و النار و جعله مكانا لن اعتدلت كفتا ميزانه فلم ترجح إحداهما على الأخرى و وقفت الحفظة بأيديهم الكتب التي كتبوها في الدنيا من أعمال المكلفين و أقوالهم ليس فيها شيء من اعتقادات قلوبهم إلا ما شهدوا به على أنفسهم بما تلفظوا به من ذلك فعقلوها في أعناقهم بأيديهم فمنهم من أخذ كتابه بيمينه و منهم من أخذه بشماله و منهم من أخذه من وراء ظهره و هم الذين نبذوا الكتاب في الدنيا ﴿وَرٰاءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ [آل عمران:187] و ليس أولئك إلا الأئمة الضلال المضلون الذين ضلوا و أضلوا و جيء بالحوض يتدفق ماء عليه من الأواني على عدد الشاربين منه و لا تزيد و لا تنقص ترمي فيه أنبوبات أنبوب ذهب و أنبوب فضة و هو لزيق بالسور و من السور تنبعث هذان الأنبوبان فيشرب منه المؤمنون و يؤتى بمنابر من نور مختلفة في الإضاءة و اللون فتنصب في تلك الأرض و يؤتى بقوم فيقعدون عليها قد غشيتهم الأنوار لا يعرفهم أحد في رحمة الأبد عليهم من الخلع الإلهية ما تقر به أعينهم و يأتي مع كل إنسان قرينه من الشياطين و الملائكة و تنشر الألوية في ذلك اليوم للسعداء و الأشقياء بأيدي أئمتهم الذين كانوا يدعونهم إلى ما كانوا يدعونهم إليه من حق و باطل و تجتمع كل أمة إلى رسولها من آمن منهم به و من كفر و تحشر الأفراد و الأنبياء بمعزل من الناس بخلاف الرسل فإنهم أصحاب العساكر فلهم مقام يخصهم و قد عين اللّٰه في هذه الأرض بين يدي عرش الفصل و القضاء مرتبة عظمى امتدت من الوسيلة التي في الجنة يسمى ذلك المقام المحمود و هو لمحمد ﷺ خاصة و تأتي الملائكة ملائكة السموات ملائكة كل سماء على حدة متميزة عن غيرها فيكونون سبعة صفوف أهل كل سماء صف و الروح قائم مقدم الجماعة و هو الملك الذي نزل بالشرائع على الرسل ثم يجاء بالكتب المنزلة و الصحف و كل طائفة ممن نزلت من أجلها خلفها فيمتازون عن أصحاب الفترات و عمن تعبد نفسه بكتاب لم ينزل من أجله و إنما دخل فيه و ترك ناموسه لكونه من عند اللّٰه و كان ناموسه عن نظر عقلي من عاقل مهدي ثم يأتي اللّٰه عزَّ وجلَّ على عرشه و الملائكة الثمانية تحمل ذلك العرش فيضعونه في تلك الأرض و الجنة عن يمين العرش و النار من الجانب الآخر و قد علمت الهيبة الإلهية و غلبت على قلوب أهل الموقف من إنسان و ملك و جان و وحش فلا يتكلمون إلا همسا بإشارة عين و خفي صوت و ترفع الحجب بين اللّٰه و بين عباده و هو كشف الساق و يأمرهم داعي الحق عن أمر اللّٰه بالسجود لله فلا يبقى أحد سجد لله خالصا على أي دين كان إلا سجد السجود المعهود و من سجد اتقاء و رياء خر على قفاه و بهذه السجدة يرجح ميزان أصحاب الأعراف لأنها سجدة تكليف فيسعدون و يدخلون الجنة و يشرع الحق في الفصل و الحكم بين عباده فيما كان بينهم و أما ما كان بينهم و بين اللّٰه فإن الكرم الإلهي قد أسقطه فلا يؤاخذ اللّٰه أحدا من عباد اللّٰه فيما لم يتعلق به حق للغير و قد ورد من أخبار الأنبياء عليه السّلام في ذلك اليوم ما قد و رد على ألسنة الرسل و دون الناس فيه ما دونوا فمن أراد تفاصيل الأمور فلينظرها هنالك ثم تقع الشفاعة الأولى من محمد ﷺ في كل شافع أن يشفع فيشفع الشافعون و يقبل اللّٰه من شفاعتهم ما شاء و يرد من شفاعتهم ما شاء لأن الرحمة في ذلك اليوم يبسطها اللّٰه في قلوب الشفعاء فمن رد اللّٰه شفاعته من الشافعين لم يردها انتقاصا بهم و لا عدم رحمة بالمشفوع فيه و إنما أراد بذلك إظهار المنة الإلهية على بعض عباده فيتولى اللّٰه سعادتهم و رفع الشقاوة عنهم فمنهم من يرفع ذلك عنه بإخراجهم من النار إلى الجنان و قد ورد و شفاعته بشفاعة أرحم الراحمين عند المنتقم الجبار فهي مراتب أسماء إلهية لا شفاعة محققة فإن اللّٰه يقول في ذلك اليوم شفت الملائكة و النبيون و المؤمنون و بقي أرحم الراحمين فدل بالمفهوم أنه لم يشفع فيتولى بنفسه إخراج من يشاء من النار إلى الجنة و نقل حال من هو من أهل النار من شقاء الآلام إلى سعادة إزالتها فذلك قدر نعيمه و قد يشاء و يملأ اللّٰه جهنم بغضبه المشوب و قضائه و الجنة برضاه فتعم الرحمة و تنبسط النعمة فيكون الخلق كما هم في الدنيا على صورة الحق فيتحولون لتحوله و آخر صورة يتحول إليها في الحكم في عباده صورة الرضاء فيتحول الحق في صورة النعيم فإن الرحيم و المعافي أول من يرحم و يعفو و ينعم على نفسه بإزالة ما كان فيه من الحرج و الغضب على من أغضبه ثم سرى ذلك في المغضوب عليه فمن فهم فقد أمناه و من لم يفهم فسيعلم و يفهم فإن المال إليه و اللّٰه من حيث يعلم نفسه و من هويته و غناه فهو على ما هو عليه و إنما هذا الذي وردت به الأخبار و أعطاه الكشف إنما ذلك أحوال تظهر و مقامات تشخص و معان تجسد ليعلم الحق عباده معنى الاسم الإلهي الظاهر و هو ما بدا من هذا كله و الاسم الإلهي الباطن و هو هويته و قد تسمى لنا بهما فكل ما هو العالم فيه من تصريف و انقلاب و تحول في صور في حق و خلق فذلك من حكم الاسم الظاهر و هو منتهى علم العالم و العلماء بالله و أما الاسم الباطن فهو إليه لا إلينا و ما بأيدينا منه سوى
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية