و الإشارة بذا إلى اللّٰه المذكور في قوله ﴿فَحُكْمُهُ إِلَى اللّٰهِ﴾ [الشورى:10] فلو لم يكن هنا الاسم عين المسمى في قوله اللّٰه لم يصح قوله ربي و الخلاف ظهر في الأسماء الإلهية فظهر حكم اللّٰه في العالم به فيحكم على الخلاف الواقع في العالم بأنه عين حكم اللّٰه ظهر في صورة المخالفين
«وصل»في الأجور
و هي الحقوق التي تطلبها الأعمال مخصوصة و هي حكم سار في القديم و المحدث فكل من عمل عملا لغيره استحق عليه أجرا و الأجور على قسمين معنوية و حسية فإذا استأجر أحد أحدا على عمل ما من الأعمال فعمله فقد استوجب به العامل حقا على المعمول له و هو المسمى أجرا و وجب على المعمول له أداء ذلك الحق و إيصاله إليه و المؤجر مخير في استعمال الأجير في الظاهر مضطر في الباطن و الأجير مخير في قبول الاستعمال في بعض الأعمال مقهور في بعض الأعمال و حكم الخيار ما زال عنه لأن له أن لا يقبل إن شاء و أن يقبل إن شاء فهو مخير في الظاهر مضطر في الباطن كالمؤجر له سواء فأول أجير ظهر في الوجود عن افتقار الممكن إلى الإيجاد و هو عمل الوجود في الممكن حتى يظهر عينه من واجب الوجود هو واجب الوجود فقال الممكن للواجب في حال عدمه أريد أن أستعملك في ظهور عيني فالإيجاد هو العمل و الوجود هو المعمول و الموجود هو الذي ظهر فيه صورة العمل فكل معمول معدوم قبل عمله فقال له الحق فلي عليك حق إن أنا فعلت لك ذلك و أظهرتك و هذا الحق هو المسمى أجرا و الذي طلب المؤجر من المؤجر يسمى إجارة و المؤجر مخير في نفسه ابتداء في تعيين الأجر فإن شاء عين له ما يعطيه على ذلك العمل و إن شاء جعل التعيين للمؤجر و المؤجر مخير في قبول ما عينه المؤجر إن كان عين له شيئا أورده و إن تبرع المؤجر بالعمل من نفسه و قال لا آخذ على ذلك أجرا فله ذلك و لكن لا يزول حكم القيمة من ذلك العمل لأن العمل بذاته هو الذي يعين الأجر بقيمته فإن شاء العامل أخذه و إن شاء تركه و لا يسقط حكم العمل إن أجره كذا و هذه مسألة عجيبة تدور بين اختيار و اضطرار في المؤجر و المؤجر و كل واحد مجبور في اختياره غير إن الحق لا يوصف بالجبر و الممكن يوصف بالجبر مع علمنا أنه ما يبدل القول لديه : و لا يخرج عن عمل ما سبق في علمه إن يعمله و عن ترك ما سبق في علمه إن يتركه و ليس الجبر سوى هذا غير أن هنا عين الذي يجبره هو عين المجبور إذ ما جبره إلا علمه و علمه صفته و صفته ذاته و الجبر في الممكن أن يجبره غيره لا عينه و لو رام خلاف ما جبر عليه لم يستطع فهو مجبور عن قهر مخير بالنظر إلى ذاته و في الأول جبر بالنظر إلى ذاته مخير بالنظر إلى العمل من حيث المعمول له فاتفق الممكن مع الواجب الوجود أنه إن عمل فيه الإيجاد و ظهرت عينه إنه يستحق عليه أي على الممكن في ذلك أن يعبده و لا يشرك به شيئا و أن يشكره على ما فعل معه من إعطائه الوجود بالثناء عليه بالتسبيح بحمده فقيل الممكن ذلك فأوجده الحق سبحانه فلما أوجده طلب منه ما استحق عليه من الأجر في ذلك و لم يجعل نفسه في إيجاده متبرعا فقال له اعبدني و سبح بحمدي فسبحه و عبده جميع ما أوجده من الممكنات و وفاه أجره ما عدا بعض الناس فلم يوفه أجر ما أوجده له فتعينت عليه مطالبة العامل و تعين على الحكم العدل أن يحكم على المعمول له بأداء الأجر الذي وقع الاتفاق عليه و سرى حكم هذه الإجارة في جميع الممكنات لأن الأعمال تطلبها بذاتها و لهذا إذا تبرع العامل و ترك الأجر لا يزيل ذلك قيمة ذلك العمل فيقال قيمة هذا العمل كذا و كذا سواء أخذ العامل أجره أو لم يأخذه و سواء قدره ابتداء أو لم يقدره فإن صورة العمل تحفظ قيمة الأجر و قد أخبر اللّٰه عن نفسه أنه داخل تحت حكم هذه الحقوق و كيف لا يكون ذلك و هو الحكيم مرتب الأشياء مراتبها فمنها ما لم نعرفه حتى عرفنا به مثل قوله ﴿وَ كٰانَ حَقًّا عَلَيْنٰا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم:47] فالنصر أجر الايمان لذاته و لكن يقتضيه المؤمن و هو الذي صفته الايمان و هو سبحانه وفى فلا بد من نصر الايمان و لا يظهر ذلك إلا في المؤمن و المؤمن لا يتبعض فيه الايمان فاعلم ذلك و كل من تبعض فيه الايمان لأجل تعداد الأمور التي يؤمن بها فآمن المؤمن ببعضها و كفر ببعضها فليس بمؤمن فما خذل إلا من ليس بمؤمن فإن الايمان حكمه أن يعم و لا يخص فلما لم يكن له وجود عين في الشخص لم يجب نصره على اللّٰه فإذا ظهر الكافر على المؤمن في صورة الحكم الظاهر فليس ذلك بنصر للكافر عليه و إنما الذي يقابله لما ولى و أخلي له موضعه ظهر فيه الكافر و هذا ليس بنصر إلا مع وقوف الخصم فيغلبه بالحجة و مما أوجب الحق من ذلك على نفسه أيضا أعني من الأجر الرحمة فجعلها أجرا على نفسه واجبا لمن تاب من بعد ما عمل من السوء و أصلح عمله و قد يتبرع متبرع بأجر يتحمله لعامل عمل لغيره عملا لم يعمله لهذا المتبرع مثل قوله في المظلوم إذا عفا عمن ظلمه و لم يؤاخذه بما استحق عليه
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية