في آخر رجعة و كان قد تقدم القول بالتكثير و بدله بالتخفيف و التقليل فاعلم موسى أن القول الإلهي منه ما يقبل التبديل و منه ما لا يقبل التبديل و هو إذا حق القول منه فالقول الواجب لا يبدل و القول المعروض يقبل التبديل فسر موسى عليه السّلام بهذا القول و إنه ما تكلم إلا في عرض القول لا في حقه و كذلك لما علم بما شرع اللّٰه لأمة محمد ﷺ من الاجتهاد في نصب الأحكام من أجل اجتهاد محمد جبر اللّٰه تعالى قلب محمد ﷺ فيما جرى منه و سرى ذلك في أمته ﷺ كما سرى الجحد و النسيان في بنى آدم من جحد آدم و نسيانه جبر القلب آدم فإن هذه النشأة الطبيعية من حكم الطبيعة فيها الجحد و النسيان فكانت حركة آدم في جحده حركة طبيعية و في نسيانه أثر طبيعي فلو تناسى لكان الأمر من حركة الطبيعة كالجحد من حيث إنه جحد هو أثر طبيعي و من حيث ما هو جحد بكذا هو حكم طبيعي لا أثر فهذا الفرق بين حكم الطبيعة و بين أثرها و النسيان من أثرها و التناسي من حكمها و الغفلة من أثرها و التغافل من حكمها و قليل من العلماء بالله من يفرق بين حكم الطبيعة و أثرها فاجتمع في آدم حكم الطبيعة بالجحد لأنه الأول الجامع في ظهره للجاحدين فحكموا عليه بالجحد فجحد لأن الابن له أثر في أبيه فالجحد و إن كان من حكم الطبيعة فإنه من أثر الجاحدين من أبنائه لأن آدم إنسان كامل و كذا النسيان الواقع منه هو من أثر الطبيعة و حكم الأبناء فإنه حامل في ظهره للناسين من أبنائه فحكموا عليه بالنسيان فانظر ما أعجب هذه الأمور و ما يعطيه فتوح المكاشفة من العلوم و جميع ما ذكرناه من أحكام هذا المنزل و له من الحضرة الإلهية الغيب و من أعيان العالم الطبيعة و من عالم الشهادة الظلمة ففي الشهادة ترى الظلمة و لا يرى بها و في الطبيعة تعلم و لا ترى و يرى أثرها و يرى بها و في الغيب يرى و يرى به مع بقاء اسم الغيب عليه و إنما قلنا هذا لأن الأسماء تتغير بتغير الأحكام و لا سيما في الأسماء الإلهية فإن الحكم يغير الاسم للاسم الآخر الذي يطلبه ذلك الحكم و العين واحدة و في أحكام الشرائع عكس هذا تغير الأحكام تبع لتغير الأحوال و الأسماء و العين واحدة قيل لمالك بن أنس من أئمة الدين ما تقول في خنزير البحر من بعض السمك فقال هو حرام فقيل له فسمك البحر و دوابه و ميتته حلال فقال أنتم سميتموه خنزيرا و اللّٰه قد حرم الخنزير فتغير الحكم عند مالك لتغير الاسم فلو قالوا له ما تقول في سمك البحر أو دواب البحر لحكم بالحل و كذا تغير الأحوال يغير الأحكام فالشخص الواحد الذي لم يكن حاله الاضطرار أكل الميتة عليه حرام فإذا اضطر ذلك الشخص عينه فأكل الميتة له حلال فاختلف الحكم لاختلاف الحال و العين واحدة
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية