و هذه حجة للفريقين فإنه قد يفر إلى اللّٰه لطلب الاعتزاز بالله و قد يفر إلى اللّٰه لتكون ذلته إلى اللّٰه و حاجته لا إلى غيره إذ هو مفطور على الحاجة و الافتقار و لهذا قال بعد الأمر بالفرار إلى اللّٰه تعالى ﴿وَ لاٰ تَجْعَلُوا مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ﴾ [الذاريات:51] تفتقرون إليه بل فروا إلى اللّٰه في طلب حوائجكم منه التي فطرتم عليها و أما فرار موسى عليه السّلام الذي علله بالخوف من فرعون و قومه فما كان خوفه إلا من اللّٰه أن يسلطهم عليه إذ له ذلك و لا يدري ما في علم اللّٰه فكان فراره إلى ربه ليعتز به فوهبه ربه حكما و علما و جعله من المرسلين : إلى من خاف منهم بالاعتزاز بالله و أيده بالآيات البينات ليشد منه ما ضعف مما يطلبه حكم الطبيعة في هذه النشأة فإن لها خورا عظيما لكونها ليس بينها و بين الأرواح التي لها القوة و السلطان عليها واسطة و لا حجاب فلازمها الخوف ملازمة الظل للشخص فلا يتقوى صاحب الطبيعة إلا إذا كان مؤيدا بالروح فلا يؤثر فيه خور الطبيعة فإن الأكثر فيه إجراء الطبيعة و روحانيته التي هي نفسه المدبرة له موجودة أيضا عن الطبيعة فهي أمها و إن كان أبوها روحا فللأم أثر في الابن فإنه في رحمها تكون و بما عندها تغذى فلا تتقوى النفس بأبيها إلا إذا أيدها اللّٰه بروح قدسي ينظر إليها فحينئذ تقوى على حكم الطبيعة فلا تؤثر فيها التأثير الكلي و إن بقي فيه أثر فإنه لا يمكن زواله بالكلية
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية