[المتهجد: ما خصوصيته]
ثم إنه للمتهجد أمر آخر لا يعلمه كل أحد و ذلك أنه لا يجني ثمرة مناجاة التهجد و يحصل علومه إلا من كانت صلاة الليل له نافلة و أما من كانت فريضته من الصلاة ناقصة فإنها تكمل من نوافله فإن استغرقت الفرائض نوافل العبد المتهجد لم يبق له نافلة و ليس بمتهجد و لا صاحب نافلة فهذا لا يحصل له حال النوافل و لا علومها و لا تجلياتها فاعلم ذلك
[المتهجد: في نومه و قيامه]
فنوم المتهجد لحق عينه و قيامه لحق ربه فيكون ما يعطيه الحق من العلم و التجلي في نومه ثمرة قيامه و ما يعطيه من النشاط و القوة و تجليهما و علومهما في قيامه ثمرة نومه و هكذا جميع أعمال العبد مما افترض عليه فتتداخل علوم المتهجدين كتداخل ضفيرة الشعر و هي من العلوم المعشوقة للنفوس حيث تلتف هذا الالتفاف فيظهر لهذا الالتفاف أسرار العالم الأعلى و الأسفل و الأسماء الدالة على الأفعال و التنزيه و هو قوله تعالى ﴿وَ الْتَفَّتِ السّٰاقُ بِالسّٰاقِ﴾ [القيامة:29] أي اجتمع أمر الدنيا بأمر الآخرة و ما ثم إلا دنيا و آخرة و هو المقام المحمود الذي ينتجه التهجد قال تعالى ﴿وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نٰافِلَةً لَكَ عَسىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقٰاماً مَحْمُوداً﴾ [الإسراء:79] و عسى من اللّٰه واجبة و المقام المحمود هو الذي له عواقب الثناء أي إليه يرجع كل ثناء
[المتهجد: ما قدر علمه؟]
و أما قدر علم التهجد فهو عزيز المقدار و ذلك أنه لما لم يكن له اسم إلهي يستند إليه كسائر الآثار عرف من حيث الجملة إن ثم أمرا غاب عنه أصحاب الآثار و الآثار فطلب ما هو فأداه النظر إلى أن يستكشف عن الأسماء الإلهية هل لها أعيان أو هل هي نسب حتى يرى رجوع الآثار هل ترجع إلى أمر وجودي أو عدمي فلما نظر رأى أنه ليس الأسماء أعيانا موجودة و إنما هي نسب فرأى مستند الآثار إلى أمر عدمي فقال المتهجد قصارى الأمر أن يكون رجوعي إلى أمر عدمي فأمعن النظر في ذلك و رأى نفسه مولدا من قيام و نوم و رأى النوم رجوع النفس إلى ذاتها و ما تطلبه و رأى القيام حق اللّٰه عليه فلما كانت ذاته مركبة من هذين الأمرين نظر إلى الحق من حيث ذات الحق فلاح له إن الحق إذا انفرد بذاته لذاته لم يكن العالم و إذا توجه إلى العالم ظهر عين العالم لذلك التوجه فرأى إن العالم كله موجود عن ذلك التوجه المختلف النسب و رأى المتهجد ذاته مركبة من نظر الحق لنفسه دون العالم و هو حالة النوم للنائم و من نظره إلى العالم و هو حالة القيام لأداء حق الحق عليه فعلم إن سبب وجود عينه أشرف الأسباب حيث استند من وجه إلى الذات معراة عن نسب الأسماء التي تطلب العالم إليه فتحقق إن وجوده أعظم الوجود و أن علمه أسنى العلوم و حصل له مطلوبه و هو كان غرضه و كان سبب ذلك انكساره و فقره فقال في قضاء وطره من ذلك متمثلا
رب ليل بتة ما أتى *** فجره حتى انقضى وطري
من مقام كنت أعشقه *** بحديث طيب الخبر
و قال في الأسماء
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية