و هذا الفرق بين الأنبياء و الأولياء الأتباع لكن من أدرجت النبوة بين جنبيه و جاءه القرآن عن ظهر غيب أعطى الرؤية من خلفه كما أعطيها من أمامه إذ كان القرآن لا ينزل إلا مواجهة فهو للنبي ﷺ من وجهين وجه معتاد و وجه غير معتاد و هو للوارث من وجه غير معتاد فسمي ظهرا بحكم الأصل و هو وجه بحكم الفرع و لما ذقنا ذلك لم نر لأنفسنا تمييز جهة من غيرها و جاءنا بغتة فما عرفنا الأمر كيف هو إلا بعد ذلك فمن وقف مع القرآن من حيث هو قرآن كان ذا عين واحدة أحدية الجمع و من وقف معه من حيث ما هو مجموع كان في حقه فرقانا فشاهد الظهر و البطن و الحد و المطلع فقال لكل آية ظهر و بطن و حد و مطلع و ذلك الآخر لا يقول بهذا و الذوق مختلف و لما ذقنا هذا الأمر الآخر كان التنزل فرقانيا فقلنا هذا حلال و هذا حرام و هذا مباح و تنوعت المشارب و اختلفت المذاهب و تميزت المراتب و ظهرت الأسماء الإلهية و الآثار الكونية و كثرت الأسماء و الآلهة في العالم فعبدت الملائكة و الكواكب و الطبيعة و الأركان و الحيوانات و النبات و الأحجار و الأناسي و الجن حتى إن الواحد لما جاء بالوحدانية قالوا ﴿أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلٰهاً وٰاحِداً إِنَّ هٰذٰا لَشَيْءٌ عُجٰابٌ﴾ [ص:5] و في الحقيقة ليس العجب ممن وحد و إنما العجب ممن كثر بلا دليل و لا برهان و لهذا قال ﴿وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ لاٰ بُرْهٰانَ لَهُ بِهِ﴾ [المؤمنون:117]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية