و أما علم تألف الضرتين فاعلم إن أبا سعيد الخراز قيل له بم عرفت اللّٰه فقال بجمعه بين الضدين و تلا ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ﴾ [الحديد:3] أي هو أول من عين ما هو آخر و ظاهر من حيث ما هو باطن لأن الحيثية في حقه واحدة و كل ضدين ضرتان و هذا لا يدرك من قوة العقل فإن قوة العقل لا تعطيه و إنما يدرك هذا من المقام الذي وراء طور العقل الذي كان من ذلك الطور أعطى الواجبات وجوبها و الجايزات جوازها و المستحيلات إحالتها و الأحديات أحديتها فهو الذي جعل الواحد واحدا كما جعل الواجب واجبا بإعطائه الوجوب و ليس في قوة العقل إدراك ما ذكرناه من حيث فكره فهذا علم صحيح إلهي لا عقلي فإذا اجتمع الضدان في العلم الإلهي فقد تألفت الضرتان و تحابا إذ كانا لعين واحدة فتدبر هذا الفصل بنور الايمان لا بنور العقل فإنه مردود عقلا غير مقبول و كما لم يكن في قوة البصر أن يدرك المعقولات و لم يتعد حده كذلك العقل ليس في قوته إن يدرك ما يعطيه البصر بذاته من غير واسطة البصر فإذا عجزت قوة العقل أن تستقل بعلم المبصرات من حيث ما هي مبصرات و هي مخلوقة و قوة البصر مخلوقة فمن له بإدراك ما يخرج عن طوره إلى ما هو أعلى في نسبته إلى الحق و قد عجز عن إدراك ما خرج عن طوره إلى ما هو أنزل درجة و هو الحس في زعمه و من افتقر إلى مخلوق مثله في أمر فهو إلى الخالق أفقر و يكفي هذه الإشارة فيما يعرفه العارفون من ذلك
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية