﴿لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ﴾ [الإخلاص:3] فكانت المظاهر تبطل و هي موجودة فما جوابك قلنا المظاهر للمرتبة لا للذات فلا يعبد إلا من كونه إلها و لا يتخلق بأسمائه و هي عين العبادة له إلا من كونه إلها و لا يفهم من مظاهره في مظاهره إلا كونه إلها فاعلم ذلك و لو كانت المظاهر تظهرها الذات من كونها ذاتا علمت و لو علمت أحيط بها و لو أحيط بها حدت و لو حدت انحصرت و لو انحصرت ملكت و ذات الحق تتعالى علوا كبيرا عن هذا كله فعلمنا أنه ليس بين الذات و بين هذه المظاهر نسبة يتعلق العلم بها من حيث نسبة المظهر إليها أصلا و إذا لم يحصل مثل هذا العلم في نفوس العلماء بالله و تعالى عن ذلك فأبعد و أبعد أن تعلم نسبة الذات إلى المظاهر فإن قلت إن النسبة واحدة و لكن لها طرفان من حيث الذات طرف و من حيث المظهر طرف قلنا ليس الأمر كما تظن في إن النسبة واحدة بين المتضايفين فإن نسبة الولد إلى الوالد نسبة بنوة و البنوة انفعال و نسبة الوالد إلى الولد نسبة أبوة و الأبوة فاعلية و أين أن يفعل من أن ينفعل هيهات فليست النسبة واحدة و لا لها طرفان أصلا فإنها غير معقولة الانقسام أعني هذه النسبة الخاصة و هو الطرف الذي جعلته أنت للنسبة بخيالك فذلك الطرف هو النسبة التي تذكر إذ الطرفان للشيء الموصوف بهما يؤذنان بقسمته و المعنى لا ينقسم فإنه غير مركب و الذي ينتجه هذا العلم المشبه بالحياض مناجاة الحق من جهة الصدر و هو مناجاتك إياه في صدورك عنه حين أمرك بالخروج إلى عباده بالتبليغ إن كنت رسولا و بالتثبيت إن كنت وارثا و هذه المناجاة لا تكون منه إليك إلا فيك لا في غيرك فمنك تعرفه لا من غيرك لأنك الحجاب الأقرب و الستر المسدل عليه و من كونك سترا و حجابا حددته فمعرفتك به في هذا الموطن عين عجزك عن معرفته و إن شئت قلت عين الجهل به و نريد بالجهل عدم العلم و أما الغير فحجاب أبعد بالنظر إليك فإن اللّٰه ما وصف نفسه إلا بالقرب إليك و هكذا قربه من غيرك إلى ذلك الغير كقربه إليك فوصفه بالقرب إليك أبعد بالنظر إلى غيرك إذا أراد العلم به منك كما أنت إذا أردت العلم به من غيرك قال تعالى
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية