و لهؤلاء حظ وافر في هذه الآية حيث جهلهم العام و الخاص و المسلم و غير المسلم فهم الضنائن المصانون بحجب الغيرة فلا يعرفهم إلا الحق و هل يعرف بعضهم بعضا فيه توقف و هم المطلوبون من العباد ألحقنا اللّٰه بهم و أرجو أن أكون منهم و أما تبري المسلم ممن استند إليه المشرك فليس تبرؤه إلا من النسبة و من المنسوب إليه لا من المنسوب فاجتمع المشرك و المسلم في المنسوب و افترقا في المنسوب إليه و النسبة و لهذا لم تضرب الجزية على المشرك و فرق بينه و بين الكفار من أهل الكتب المنزلة فإن المشرك قادح في الحق و في الكون بشركه فلم يكن له مستند يعصمه من القتل لأنه قدح في التوحيد و في الرسل و الكفار من أهل الكتاب لم يقدحوا في التوحيد و لا في الكون أعني الرسل لكن قدحوا في رسول معين لهوى أو شبهة قائمة بنفوسهم أداهم ما قام بهم إلى جحود الحق ظلما و علوا مع اليقين به و إما لشبهة قامت بهم لم يثبت صدق صاحب الدعوى عندهم فلهذا كان لهم في الجملة مستند صحيح عندهم لا في نفس الأمر يعصمهم من القتل فضربت عليهم الجزية و تركوا على دينهم ليقيموه أو يقيموا بعضه على قدر ما يوفقون إليه و هنا نكتة لمن فهم إن دينهم مشروع لهم بشرعنا حيث قررهم عليه و لهذا كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم إذا سمع أن الروم قد ظهرت على فارس يظهر السرور في وجهه مع كون الروم كافرين به صلى اللّٰه عليه و سلم و لكن الرسول لعلمه صلى اللّٰه عليه و سلم كان منصفا لأنه علم إن مستند الروم لمن استند إليه أهل الحق لأنهم أهل كتاب مؤمنون به لكنهم طرأت عليهم شبهة من تحريف أئمتهم ما أنزل عليهم حالت بينهم و بين الايمان و الإقرار بنبوة محمد صلى اللّٰه عليه و سلم أو بعمومها و كلامنا مع المنصف منهم من علمائهم فعذرهم الشرع لهذا القدر الذي علمه منهم و راعى فيهم جناب الحق تعالى حيث وحدوه و ما أشركوا به حين أشرك به فارس و عبدة الأوثان و قدحت في توحيد الإله و ما يستحقه من الأحدية و هكذا حال العارفين من أهل هذا المقام و أما قول رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم في أمره إيانا بمخالفة أهل الكتاب إنما هو في كونهم آمنوا ببعضه و كفروا ببعضه و أرادوا ﴿أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً﴾ [النساء:150] فأمرنا بمخالفتهم في أمور من الأحكام معينة و فيما ذكرناه و لو أمرنا بمخالفتهم على الإطلاق لكنا مأمورين بخلاف ما أمرنا به من الايمان فلا تصح مخالفتهم على الإطلاق فهذا المراد «بقوله صلى اللّٰه عليه و سلم خالفوا أهل الكتاب»
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية