و لما كان الشاهد حصول صورة المشهود في النفس عند الشهود فيعطي خلاف ما تعطيه الرؤية فإن الرؤية لا يتقدمها علم بالمرئي و الشهود يتقدمه علم بالمشهود و هو المسمى بالعقائد و لهذا يقع الإقرار و الإنكار في الشهود و لا يكون في الرؤية إلا الإقرار ليس فيها إنكار و إنما سمي شاهدا لأنه يشهد له ما رآه بصحة ما اعتقده فكل مشاهدة رؤية و ما كل رؤية مشاهدة و لكن لا يعلمون فما يرى الحق إلا الكمل من الرجال و يشهده كل أحد و لا يكون عن الرؤية شاهد و قال اللّٰه تعالى في إثبات الشاهد ﴿أَ فَمَنْ كٰانَ عَلىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شٰاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود:17] و في هذه الآية وجوه كلها مقصودة لله فيكون العبد على كشف من اللّٰه لما يريده به أو منه و ذلك لا يكون له إلا بأخبار إلهي و إعلام بالشيء قبل وقوعه و هو قول الصديق ما رأيت شيئا إلا رأيت اللّٰه قبله ثم إن ذلك الأمر لا يكون له عين إلا من اسم إلهي تكون له أثر ذلك الاسم فيقوم الاسم في قلب العبد و يحضر فيه فيشهده العبد ثم يرى ظهور ذلك الأثر و وجوده في نفسه أو في الآفاق الذي تقدم له به لإعلام الإلهي فيسمى ذلك الاسم شاهدا حيث شهده هذا العبد متعلق ذلك الأثر المعلوم عنده و هذا لا يكون إلا للكمل من الرجال فهم أصحاب شهود في كل أثر يشهدون لهم به بعد العلم به الإلهي على طريق الخبر و إنما قلنا في الوجوه إنها مقصودة لله فليس يتحكم على اللّٰه و لكنه أمر محقق عن اللّٰه و ذلك أن الآية المتلفظ بها من كلام اللّٰه بأي وجه كان من قرآن أو كتاب منزل أو صحيفة أو خبر إلهي فهي آية على ما تحمله تلك اللفظة من جميع الوجوه أي علامة عليها مقصودة لمن أنزلها بتلك اللفظة الحاوية في ذلك اللسان على تلك الوجوه فإن منزلها عالم بتلك الوجوه كلها و عالم بأن عباده متفاوتون في النظر فيها و أنه ما كلفهم من خطأ به سوى ما فهموا عنه فيه فكل من فهم من الآية وجها فذلك الوجه هو مقصود بهذه الآية في حق هذا الواجد له و ليس يوجد هذا في غير كلام اللّٰه و إن احتمله اللفظ فإنه قد لا يكون مقصودا للمتكلم به لعلمنا بقصور علمه عن الإحاطة بما في تلك اللفظة من الوجوه فإن كان من أهل اللّٰه الذين يقولون ما في الوجود متكلم إلا اللّٰه و هم أهل السماع المطلق منه فتكون تلك الوجوه كلها مقصودة لأن المتكلم اللّٰه و الشخص المقول على لسانه تلك الكلمة مترجم كما قال على لسان عبده في الصلاة سمع اللّٰه لمن حمده فالمتكلم هنا هو اللّٰه و المترجم العبد و لهذا كان كل مفسر فسر القرآن و لم يخرج عما يحتمله اللفظ فهو مفسر و
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية