أي أجيبا إذا دعيتما لما يراد منكما مما أمنتما عليه أن تبرزاه ف ﴿قٰالَتٰا أَتَيْنٰا طٰائِعِينَ﴾ [فصلت:11] فجعل سبحانه بين السماء و الأرض التحاما معنويا و توجها لما يريد سبحانه أن يوجده في هذه الأرض من المولدات من معدن و نبات و حيوان و جعل الأرض كالأهل و جعل السماء كالبعل و السماء تلقي إلى الأرض من الأمر الذي أوحى اللّٰه فيها كما يلقي الرجل الماء بالجماع في المرأة و تبرز الأرض عند الإلقاء ما خبأه الحق فيها من التكوينات على طبقاتها
[العناصر الأربعة و تكوين الجان و الإنسان]
فكان من ذلك أن الهواء لما اشتعل و حمي اتقد مثل السراج و هو اشتعال النار ذلك اللهب الذي هو احتراق الهواء و هو المارج و إنما سمي ما رجا لأنه نار مختلط بهواء و هو الهواء المشتعل فإن المرج الاختلاط و منه سمي المرج مرجا لاختلاط النبات فيه فهو من عنصرين هواء و نار أعني الجان كما كان آدم من عنصرين ماء و تراب عجن به فحدث له اسم الطين كما حدث لامتزاج النار بالهواء اسم المارج ففتح سبحانه في ذلك المارج صورة الجان فبما فيه من الهواء يتشكل في أي صورة شاء و بما فيه من النار سخف و عظم لطفه و كان فيه طلب القهر و الاستكبار و العزة فإن النار أرفع الأركان مكانا و له سلطان على إحالة الأشياء التي تقتضيها الطبيعة و هو السبب الموجب لكونه استكبر عن السجود لآدم عند ما أمره اللّٰه عزَّ وجلَّ بتأويل أداه أن يقول ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ [الأعراف:12] يعني بحكم الأصل الذي فضل اللّٰه به بين الأركان الأربعة و ما علم إن سلطان الماء الذي خلق منه آدم أقوى منه فإنه يذهبه و إن التراب أثبت منه للبرد و اليبس فلآدم القوة و الثبوت لغلبة الركنين اللذين أوجده اللّٰه منهما و إن كان فيه بقية الأركان و لكن ليس لها ذلك السلطان و هو الهواء و النار كما في الجان من بقية الأركان و لذا سمي ما رجا و لكن ليس لها في نشأته ذلك السلطان و أعطى آدم التواضع للطينية بالطبع فإن تكبر فلأمر يعرض له يقبله بما فيه من النارية كما يقبل اختلاف الصور في خياله و في أحواله من الهوائية و أعطى الجان التكبر بالطبع للنارية فإن تواضع فلأمر يعرض له يقبله بما فيه من الترابية كما يقبل الثبات على الإغواء إن كان شيطانا و الثبات على الطاعات إن لم يكن شيطانا
[الجان عند تلاوة سورة الرحمن]
و
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية