فمال الكل إلى الرحمة و إن تخلل الأمر آلام و عذاب و علل و أمراض مع حكم الاسم الرحمن فإنما هي أعراض عرضت في الأكوان دنيا و آخرة من أجل أن الرحمن له الأسماء الحسنى و من الأسماء الضار و المذل و المميت فلهذا ظهر في العالم ما لا تقتضيه الرحمة و لكن لعوارض و في طي تلك العوارض رحمة و لو لم يكن إلا تضاعف النعيم و الراحة عقيب زوال حكمه و لهذا قيل أحلى من الأمن عند الخائف الوجل فما تعرف لذات النعم إلا بأضدادها فوضعت لاقتناء العلوم التي فيها شرف الإنسان فكانت كالطريق الموصلة أو الدليل الموصل إلى مدلوله ذوقا و حصول العلم بالأذواق أتم منه بطريق الخبر أ لا ترى الحق وصف نفسه على ألسنة رسله بالغضب و الرضاء و من هاتين الحقيقتين ظهر في العالم اكتساب العلوم من الأذواق الظاهرة كالطعوم و أشباهها و الباطنة كالآلام من الهموم و الغموم مع سلامة الأعضاء الظاهرة من كل سبب يؤدي إلى ألم فانظر ما أعجب هذا فثبت العرش لثبوت الرحمة السارية التي ﴿وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156] فلها الإحاطة و هي عين النفس الرحماني فبه ينفس اللّٰه كل كرب في خلقه فإن الضيق الذي يطرأ أو يجده العالم كونه أصلهم في القبضة و كل مقبوض عليه محصور و كل محصور محجور عليه و الإنسان لما وجد على الصورة لم يحتمل التحجير فنفس اللّٰه عنه بهذا النفس الرحماني ما يجده من ذلك كما كان تنفسه من حكم الحب الذي وصف به نفسه في «قوله أحببت أن أعرف»
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية