﴿فَقُولاٰ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشىٰ﴾ [ طه:44] و الترجي من اللّٰه واقع كما قالوا في عسى فإنهما كلمتا ترج و لم يقل لهما لعله يتذكر أو يخشى في ذلك المجلس و لا بد و لا خلصه للاستقبال الأخراوي فإن الكل يخشونه في ذلك الموطن فجاء بفعل الحال الذي يدخله الاحتمال بين حال الدنيا و بين استقبال التأخير للدار الآخرة و ذلك لا يكون مخلصا للمستقبل إلا بالسين أو سوف فالذي ترجى من فرعون وقع لأن ترجيه تعالى واقع فآمن فرعون و تذكر و خشي كما أخبر اللّٰه و أثر فيه لين قول موسى و هارون و وقع الترجي الإلهي كما أخبر فهذا يدلك على قبول إيمانه لأنه لم ينص إلا على ترجى التذكر و الخشية لا على الزمان إلا أنه في زمان الدعوة و وقع ذلك في زمان الدعوة و هو الحياة الدنيا و أمر نبيه أن يقول بحيث يسمعون ﴿قُلْ هُوَ رَبِّي لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ [الرعد:30] في أمركم ﴿وَ إِلَيْهِ مَتٰابِ﴾ [الرعد:30] أي مرجعي في أمركم عسى يهديكم إلى الايمان فما أغلظ لهم بل هذا أيضا من القول اللين لتتوفر الدواعي من المخاطبين للنظر فيما خاطبهم به إذ لو خاطبهم بصفة القهر و هو غيب لا عين له في الوقت إلا مجرد إغلاظ القول لنفرت طباعهم و أخذتهم حمية الجاهلية لمن نصبوهم آلهة فأبقى عليهم و هو قوله تعالى ﴿وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلاّٰ رَحْمَةً لِلْعٰالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107] و لم يقل للمؤمنين و كان سبب نزولها أن دعا على رعل و ذكوان و عصية شهرا كاملا في كل صلاة بأن يأخذهم اللّٰه فعتبه اللّٰه في ذلك و فيه تنبيه على رحمة اللّٰه بعباده لأنهم على كل حال عباده معترفون به معتقدون لكبريائه طالبون القربة إليه لكنهم جهلوا طريق القربة و لم يوفوا النظر حقه و لا قامت لهم شبهة قوية في صورة برهان فكانوا يدخلون بها في مفهوم قوله ﴿وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ لاٰ بُرْهٰانَ لَهُ بِهِ﴾ [المؤمنون:117] و يريد بالبرهان هنا في زعم الناظر فإنه من المحال أن يكون ثم دليل في نفس الأمر على إله آخر و لم يبق إلا أن تظهر الشبهة بصورة البرهان فيعتقد أنها برهان و ليس في قوته أكثر من هذا
(التوحيد الخامس عشر)
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية