يعني بالقرآن الذي هو كلام اللّٰه و قد يكون بوساطة بشر و هو قوله ﴿فَأَجِرْهُ حَتّٰى يَسْمَعَ كَلاٰمَ اللّٰهِ﴾ [التوبة:6] فأضاف الكلام إلى اللّٰه و ما سمعته الصحابة و لا هذا الأعرابي إلا من لسان رسول اللّٰه ﷺ و ليست النبوة بأمر زائد على الإخبار الإلهي بهذه الأقسام و القرآن خبر اللّٰه و هو النبوة كلها لأنه الجامع لجميع ما أراد اللّٰه أن يخبر به عباده و «صح في الحديث أنه من حفظ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه» فإذا تقرر ما ذكرناه
[أن مبدأ الوحي الرؤيا الصادقة]
فاعلم أن مبدأ الوحي الرؤيا الصادقة و هي لا تكون إلا في حال النوم «قالت عائشة في الحديث الصحيح أول ما بديء به رسول اللّٰه ﷺ من الوحي الرؤيا الصادقة» فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح و سبب ذلك صدقه ص «فإنه ثبت عنه أنه قال أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا» فكان لا يحدث أحدا ﷺ بحديث عن تزوير يزوره في نفسه بل يتحدث بما يدركه بإحدى قواه الحسية أو بكلها ما كان يحدث بالغرض و لا يقول ما لم يكن و لا ينطق في اليقظة عن شيء يصوره في خياله مما لم ير لتلك الصورة بجملتها عينا في الحس فهذا سبب صدق رؤياه و إنما بديء الوحي بالرؤيا دون الحس لأن المعاني المعقولة أقرب إلى الخيال منها إلى الحس لأن الحس طرف أدنى و المعنى طرف أعلى و ألطف و الخيال بينهما و الوحي معنى فإذا أراد المعنى أن ينزل إلى الحس فلا بد أن يعبر على حضرة الخيال قبل وصوله إلى الحس و الخيال من حقيقته أن يصور كل ما حصل عنده في صورة المحسوس لا بد من ذلك فإن كان ورود ذلك الوحي الإلهي في حال النوم سمي رؤيا و إن كان في حال اليقظة سمي تخيلا أي خيل إليه فلهذا بديء الوحي بالخيال ثم بعد ذلك انتقل الخيال إلى الملك من خارج فكان يتمثل له الملك رجلا أو شخصا من الأشخاص المدركة بالحس فقد ينفرد هذا الشخص المراد بذلك الوحي بإدراك هذا الملك و قد يدركه الحاضرون معه فيلقي على سمعه حديث ربه و هو الوحي و تارة ينزل على قلبه ﷺ فتأخذه البرحاء و هو المعبر عنه بالحال فإن الطبع لا يناسبه فلذلك يشتد عليه و ينحرف له مزاج الشخص إلى أن يؤدي ما أوحى به إليه ثم يسرى عنه فيخبر بما قيل له و هذا كله موجود في رجال اللّٰه من الأولياء و الذي اختص به النبي من هذا دون الولي الوحي بالتشريع فلا يشرع إلا النبي و لا يشرع إلا رسول خاصة فيحلل و يحرم و يبيح و يأتي بجميع ضروب الوحي و الأولياء ليس لهم من هذا الأمر إلا الإخبار بصحة ما جاء به هذا الرسول و تعيينه حتى يكون هذا التابع على بصيرة فيما تعبده به ربه على لسان هذا الرسول إذ كان هذا الولي لم يدرك زمانه حتى يسمع منه كما سمع أصحابه فصار هذا الولي بهذا النوع من الخطاب بمنزلة الصاحب الذي سمع من لفظ رسول اللّٰه ﷺ ما شرع و لذلك جاء في القرآن ﴿أَدْعُوا إِلَى اللّٰهِ عَلىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي﴾
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية