﴿وَ أَشْهَدَهُمْ عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأعراف:172] شهادة قهر فسجدت لله كرها لا طوعا من أجل القبض عليها ثم أرسلها مسرحة من تلك القبضة الخاصة و هي مقبوض عليها من حيث لا تشعر فتخيلت أنها مسرحة فلما وجدت مدبرة لهذا الهيكل المظلم جرت في الأمور بحسب ما يعطيها غرضها لا تحب من الأمور إلا ما يلائم طبعها و غفلت عن مشهد الإقرار بالربوبية عليها لموجدها فبينا هي كذلك إذ قالت لها القوة المفكرة جميع القوي قد استعملتها و غفلت عني و تركتني و أنا من بعض آلاتك و ما لك بي عناية فاستعمليني فقالت لها نعم لا تؤاخذيني فإني جهلت رتبتك و قد أذنت لك في التصرف فيما تعطيه حقيقتك حتى أتحقق بما أنت عليه فأصرفك فيه و أستعملك فقالت سمعا ثم ردت وجهها القوة الفكرية إليها كالمعلمة و قالت لها لقد غفلت عن ذاتك و عن وجودك أنت لم تزالي هكذا موجودة لذاتك أو لم تكوني ثم كنت قالت النفس لم أكن ثم كنت قال الفكر فهذا الذي كونك عينك أو غيرك فكري و حققي و استعمليني فلهذا العمل أنا ففكرت النفس فعلمت بما أعطاها الدليل أنها لم توجد عينها و أنها موجودة لغيرها فالفقر للموجد لها ذاتي بما تجده في نفسها مما يقوم بها من الآلام الطبيعية فتفتقر إلى الأسباب المعتادة لإزالة تلك الآلام فبذلك الافتقار علمت أنها فقيرة في وجود عينها للسبب الموجد لها فلما ثبت لها حدوثها و ثبت أن لها سببا أوجدها ثم فكرت فعلمت إن ذلك السبب لا ينبغي أن يشبهها فيكون فقيرا مثلها و إنه لا يناسب هذه الأسباب المزيلة لآلامها لمشاهدتها حدوث هذه الأسباب بعد أن لم تكن و قبولها للاستحالات و الفساد فثبت عندها أن لها موجدا أوجدها و أوجد كل من يشبهها من الحوادث و الأسباب المزيلة لآلامها فتنبهت أن ثم أمرا ما لولاه لبقيت ذات مرض و علة فمن رحمته بها أوجد لها هذه الأسباب المزيلة آلامها و قد كانت تحب هذه الأسباب و تجري إليها بالطبع فانتقل تعلق ذلك الحب في السبب الموجد تلك الأسباب و قالت هو أولى بي إن أحبه و لكن لا أعلم ما يرضيه حتى أعامله به فحصل عندها حبه فأحبته لما أنعم عليها من وجودها و وجود ما يلائمها و هنا وقفت و هي في ذلك كله غافلة ناسية إقرارها بربوبية موجدها في قبضة الذر فبينا هي كذلك إذ جاءها داع من خارج من جنسها ادعى أنه رسول من عند هذا الذي أوجدها فقالت له أنت مثلي و أخاف أن لا تكون صادقا فهل عندك من يصدقك فإن لي قوة مفكرة بها توصلت إلى معرفة موجدي فقام لها بدليل يصدقه في دعواه ففكرت فيه إلى أن ثبت صدقه عندها فآمنت به فعرفها أن ذلك الموجد الذي أوجدها كان قد قبض عليها و أشهدها على نفسها بربوبيته و إنها شهدت له بذلك فقالت ما عندي من ذلك خبر و لكن من الآن أقوم بواجب ذلك الإقرار فإنك صادق في خبرك و لكن ما أدري ما يرضيه من فعلي فلو حددت حدودا و رسمت لي مراسم أقف عندها حتى تعلم أني ممن و في بشكره على ما أنعم به علي فرسم لها ما شرع فقامت بذلك شكرا و إن خالف غرضها و لم تفعل ذلك خوفا و لا طمعا لأنه لما رسم لها ما رسم ابتداء و عرفها أن وقوفها عند تلك المراسم يرضيه و ما ذكر لها ما لها في ذلك من الثواب و ما عليها إن خالفت من العقاب فبادرت هذه النفس الزكية لمراضيه في ذلك فقالت لا إله إلا اللّٰه كما قيل لها ثم بعد ذلك عرفها بما لها في ذلك من الثواب الجزيل و الإنعام التام و ما لمن خالف شرعه من العقاب فانضاف إلى عبادتها إياه حبا و رضي خاصة عبادة أخرى تطلبها رغبة في الثواب و رهبة من العقاب فجمعت في عبادتها بين أمرين بين عبادة له و عبادة رغبة و رهبة فأحبته له و لنفسها من حيث ما هي كثيرة بطبيعتها و روحانيتها فتعلقت الرغبة و الرهبة من حيث طبيعتها و تعلقت عبادتها إياه محبة له من روحانيتها فإن أحبت شيئا من الموجودات سواه فإنما تحبه من روحانيتها له و من طبيعتها النيل غرضها فلما رآها الحق على ذلك و قد علم أن من حقيقتها الانقسام و قد جمعت بين الحبين و هو قد وصف نفسه بالغيرة فلم يرد المشاركة و أراد أن يستخلصها لنفسه فلا تحب سواه فتجلى لها في صورة طبيعية و أعطاها علامة لا تقدر على إنكارها في نفسها و هي المعبر عنها بالعلم الضروري فعلمت أنه هو هذه الصورة فمالت إليه روحا و طبعا فلما ملكها و علم أن الأسباب لا بد أن تؤثر فيها من حيث طبيعتها أعطاها علامة تعرفه بها ثم تجلى لها بتلك العلامة في جميع الأسباب كلها فعرفته فاحبت الأسباب من أجله لا من أجلها فصارت بكلها له لا لطبيعتها و لا لسبب غيره فنظرته في كل شيء فزهت و سرت و رأت أنها قد فضلت غيرها من النفوس بهذه الحقيقة فتجلى لها في عين ذاتها الطبيعية و الروحانية بتلك العلامة فرأت أنها ما رأته إلا به لا بنفسها و ما أحبته إلا به لا بنفسها فهو الذي أحب نفسه ما هي أحبته و نظرت إليه في كل موجود بتلك العين عينها فعلمت أنه ما أحبه غيره فهو المحب و المحبوب و الطالب و المطلوب و تبين لها بهذا كله أن حبها إياه له و لنفسها فما شاهدته في هذه المرتبة الأخرى من حبها إياه إنما كان به لا بها و لا بالمجموع و ما ثم أمر زائد إلا العدم فأرادت أن تعرف ما قدر ذلك الحب و ما غايته فوقفت على
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية