اعلم أيدك اللّٰه أن الحكمة علم بمعلوم خاص و هي صفة تحكم و يحكم بها و لا يحكم عليها و اسم الفاعل منها حكيم فلها الحكم و اسم الفاعل من الحكم الذي هو أثرها حاكم و حكم و بهذا سمي الرسن الذي يحكم به الفرس حكمة فكل علم له هذا النعت فهو الحكمة و الأشياء المحكوم عليها بكذا تطلب بذاتها و استعدادها ما يحتاج إليه فلا يعطيها ذلك إلا من نعته الحكمة و اسمه الحكيم فهل للاستعدادات حكم في هذا المسمى حكيما أو الحكمة لها الحكم أو المجموع فأما الاستعداد على الانفراد فلا أثر له فإنا نرى من يستحق أمرا ما باستعداده و هو بين يدي عالم لكنه ليس بحكيم فلا يعطيه ما يستحقه لكونه جاهلا و قد يمنعه ما يستحقه مع كونه موصوفا بالعلم بما يستحقه ذلك الأمر و ما يفعل فلا بالمجموع و لا بالانفراد فعلمنا إن ذلك راجع إلى أمر رابع ما هو الحكمة و لا العليم بالحكمة و لا استعداد الأمر الذي يطلب الحكمة و ذلك الأمر الزائد هو الذي يبعثه على إعطاء ذلك الأمر حقه لعلمه بما يستحقه و حينئذ يسمى حكيما و ما لم يكن منه ذلك فهو عالم بالحكمة و بما تستحقه و ما يستحقه ذلك الأمر باستعداده فلا يسمى حكيما إلا بوجود هذا الاستعمال و هو قوله ﴿أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ [ طه:50] من اسمه الحكيم فبالإعطاء الذي تعطيه الحكمة يسمى حكيما فهو علم تفصيلي عملي و العلم بالمجمل علم تفصيلي فإنه فصله عن العلم التفصيلي و لو لا ذلك لم يتميز المجمل من المفصل فمن الحكمة العلم بالمجمل و التجميل و المفصل و التفصيل قال تعالى ﴿وَ آتَيْنٰاهُ الْحِكْمَةَ﴾ [ص:20] عملا ﴿وَ فَصْلَ الْخِطٰابِ﴾ [ص:20] في المقال
[موطن الحكيم موطن الملامية فإنهم مجهولون في الدنيا]
فالحكيم يجري مع كل حال و موطن بحسب ذلك الحال و ذلك الموطن و ليس هذا إلا للملامية خاصة فهم المجهولون في الدنيا لأنهم لا يتميزون بأمر يخرجهم عن حكم ما يعطيه موطن الدنيا فإن قام به حال يناقض الموطن من وجه و هو حال النبوة أعني الرسالة فإنه لا بد أن يحكم عليه الحال و هو الذي تعطيه الحكمة فيتميز في موطن الدنيا بأنه عند اللّٰه بمكان و لم يكن له ذلك و لكن حال التبليغ يطلب الدلالة على صحة ما يدعو إليه فهذا هو حكم الحال فإن كان وليا دون رسول تعين عليه الجري بحكم الموطن لا بحكم الحال فإن ظهر من هذا الولي ما يدل على منزلته من ربه بما يعطي من التمكن و التصرف في العالم و ليس برسول فهو رعونة و صاحب نقص فإن ظهر بعلم غريب فهل يكون مثل صاحب الحال النفسي المؤثر أم لا قلنا لا فإن العلم الذي لا يكون معه أثر كوني سوى نفسه لا يقوم عند العامة و لا عند الخاصة له ذلك الوزن و لا لصاحبه ذلك التميز إلا عند الأكابر من أهل اللّٰه و ممن له تحقق و استشراف على ذلك المقام الأعلى و لذلك قال اللّٰه لنبيه ص ﴿قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ [ طه:114]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية