و ما من شيء من المخلوقات إلا و فيه نفس دعوى ربوبية لما يكون عنه في الكون من المنافع و المضار فما من شيء في الكون إلا و هو ضار نافع فهذا القدر فيه من الربوبية العامة و بها يستدعي ذلة الخلق إليه أ لا ترى الإنسان على شرفه على سائر الموجودات بخلافته كيف يفتقر إلى شرب دواء يكرهه طبعا لعلمه بما فيه من المنفعة له فقد عبده من حيث لا يشعر كرها و إن كان من الأدوية المستلذة لمزاج هذا المريض و هو قد علم إن استعماله ينفعه فقد عبده من حيث لا يشعر طوعا و محبة و كذا قال اللّٰه ﴿وَ لِلّٰهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً﴾ [الرعد:15] و خذ الوجود كله على ما بينته لك
[الافتقار إلى جلب المنافع و الحاجة إلى دفع المضار أدى النفوس الضعيفة إلى عبادة الأشياء]
فإنه ما من شيء في الكون إلا و فيه ضرر و نفع فاستجلب بهذه الصفة الإلهية نفوس المحتاجين إليه لافتقارهم إلى المنفعة و دفع المضار فأداهم ذلك إلى عبادة الأشياء و إن لم يشعروا و لكن الاضطرار إليها يكذبهم في ذلك فإن الإنسان يفتقر إلى أخس الأشياء و أنقصها في الوجود و هو مكان الخلأ عند الحاجة يترك عبادة ربه بل لا يجوز له في الشرع أداؤها و هو حاقن فيبادر إلى الخلأ و لا سيما إذا أفرطت الحاجة فيه و اضطرته بحيث تذهب بعقله ما يصدق متى يجد إليه سبيلا فإذا وصل إليه وجد الراحة عنده و ألقى إليه ما كان أقلقه فإذا وجد الراحة خرج من عنده و كأنه قط ما احتاج إليه و كفر نعمته و استقذره و ذمه و هذا هو كفر بالنعمة و المنعم
[الدين الخالص هو الدين المستخلص من أيدى ربوبية الأكوان]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية