[ظهور حواء و ظهور عيسى]
فحواء عن ذكر بشري صوري إلهي و عيسى عن ذكر روحي ملكي في صورة بشر فذكر حواء أتم بسبب الصورة و ذكر عيسى أتم بالملكية المتجلية في الصورة البشرية المخلوقة على الحضرة الإلهية فجمع بين الصورة و الروح فكان نشأة تمامية ظاهره بشر و باطنه ملك فهو روح اللّٰه و كلمته ف ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلّٰهِ وَ لاَ الْمَلاٰئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ أي من أجل اللّٰه لمن ظهر من المخلوقين بالعزة فذلوا لهم تحت العزة الإلهية إذ لا يصح ذلة إلا بظهورها فالأعزاء من الخلائق هم مظاهر العزة الإلهية فالمتواضع من تواضع تحت جبروت المخلوقين و الفقير على الحقيقة من افتقر إلى الأغنياء من المخلوقين لأن غنى المخلوق هو مظهر لصفة الحق فالفقير من افتقر إليها و لم يحجبه المظهر عنها و هكذا كل صفة علوية إلهية لا تنبغي إلا لله يكون مظهرها في المخلوقين فإن العلماء بالله يذلون تحت سلطانها و لا يعرف ذلك إلا العلماء بالله
[العارف الذي يتعزز على أبناء الدنيا]
فإذا رأيت عارفا بزعم أنه عارف و تراه يتعزز على أبناء الدنيا لما يرى فيهم من العزة و الجبروت فاعلم أنه غير عارف و لا صاحب ذوق و هذا لا يصح إلا للذاكرين اللّٰه كثيرا و الذاكرات أي في كل حال هذا معنى الكثير فإنه من الناس من يكون له هذه الحالة في أوقات ما ثم تنحجب فدل انحجابه على أنها لم تكن هذه المعرفة عنده عن ذوق و إنما كانت عن تخيل و توهم و تمثل لا عن تحقق
[الأولياء التائبون و التوابون]
و من الأولياء أيضا التائبون و التائبات و التوابون رضي اللّٰه عنهم تولاهم اللّٰه بالتوبة إليه في كل حال أو في حال واحد سار في كل مقام و اعلم أن اللّٰه سبحانه وصف نفسه بالتواب لا بالتائب و ذكر محبته للتوابين فقال ﴿إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ﴾ [البقرة:222] و هم الراجعون منه إليه و أما من رجع إليه من غيره فهو تائب خاصة فإنه لا يرجع إليه من غيره من هذه صفته إلا إلى عين واحدة و من يرجع منه إليه فإنه يرجع إلى أسماء متعددة في عين واحدة و ذلك هو المحبوب و من أحبه اللّٰه كان سمعه و بصره و يده و رجله و لسانه و جميع قواه و محال قواه أي هو عين قواه بل محال قواه فما أحب إلا نفسه و هو أشد الحب من حب الغير فإن حب الغير من حب النفس و ليس حب النفس من حب الغير فالحب الأصلي هو حب الشيء نفسه ف ﴿إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ﴾ [البقرة:222] و هو التواب و التوابون مجلى صورة التواب فرأى نفسه فأحبها لأنه الجميل فهو يحب الجمال و الكون مظاهره فما تعلقت محبته إلا به فإن الصور منه و عين العبد في العناية الإلهية غرق فالتائب راجع إليه من عين المخالفة و لو رجع ألف مرة في كل يوم فما يرجع إلا من المخالفة لي عين واحدة و هو القابل التوب خاصة و التواب ينتقل في الآنات مع الأنفاس من اللّٰه إلى اللّٰه بالموافقات بل لا يكون إلا كذلك و إن ظهرت في الظاهر ممن هذه صفته عند اللّٰه مخالفة فلجهل الناظر بالصورة التي أدخلت عليه الشبهة فإنه يتخيل أنه قد اجتمع معه في الحكم و ما عنده خبر أنه ممن قيل له اعمل ما شئت و أبيح له ما حجر على غيره ثم بين له فقال فقد غفرت لك أي سترتك عن خطاب التحجير
[التواب هو المجهول في الخلق لأنه محبوب]
فالتواب هو المجهول في الخلق لأنه محبوب و المحب غيور على محبوبه فستره عن عيون الخلق فإنه لو كشفه لعباده و نظروا إلى حسن المعنى في باطنه لأحبوه و لو أحبوه لصرفوا همتهم إليه فآثروا فيه الإقبال عليهم تخلقا حقيقيا من قوله
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية