يريد عالم الطبيعة إذ لا أسفل منه رده إليه ليحيا به فإن الطبع ميت بالأصالة فأحياه بهذا النفس الرحماني الذي رده إليه لتكون الحياة سارية في جميع الكون لأن المراد من كل ما سوى اللّٰه أن يعبد اللّٰه فلا بد أن يكون حيا وجودا ميتا حكما فيجمع بين الحياة و الموت و لهذا قال له ﴿أَ وَ لاٰ يَذْكُرُ الْإِنْسٰانُ أَنّٰا خَلَقْنٰاهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً﴾ [مريم:67] فيريد منك في شيئيتك أن تكون معه كما كنت و أنت لا هذه الشيئية فلهذا قلنا حيا وجودا و ميتا حكما و هؤلاء الرجال لا نظر لهم إلا فيما يرد من عند اللّٰه مع الأنفاس فهم أهل حضور مع الدوام
[رجال الإمداد الإلهي و الكونى]
و منهم رضي اللّٰه عنهم ثلاثة أنفس و هم رجال الإمداد الإلهي و الكوني في كل زمان لا يزيدون و لا ينقصون فهم يستمدون من الحق و يمدون الخلق و لكن بلطف و لين و رحمة لا بعنف و لا شدة و لا قهر يقبلون على اللّٰه بالاستفادة و يقبلون على الخلق بالإفادة فيهم رجال و نساء قد أهلهم اللّٰه للسعي في حوائج الناس و قضائها عند اللّٰه لا عند غيره و هم ثلاثة لقيت واحدا منهم بإشبيلية و هو من أكبر من لقيته يقال له موسى بن عمران سيد وقته كان أحد الثلاثة لم يسأل أحدا حاجة من خلق اللّٰه «ورد في الخبر أن النبي صلى اللّٰه» «عليه و سلم قال من تقبل لي بواحدة تقبلت له بالجنة أن لا يسأل أحدا شيئا» فأخذها أبان مولى عثمان بن عفان فعمل عليها فربما وقع له السوط من يده و هو راكب فلا يسأل أحدا أن يناوله إياه فينيخ راحلته فتبرك فيأخذ السوط من الأرض بيده و صفة هؤلاء إذا أفادوا الخلق ترى فيهم من اللطف و حسن التأني حتى يظن أنهم هم الذين يستفيدون من الخلق و أن الخلق هم الذين لهم اليد عليهم ما رأيت أحسن منهم في معاملة الناس الواحد من هؤلاء الثلاثة فتحه دائم لا ينقطع على قدم واحدة لا يتنوع في المقامات و هو مع اللّٰه واقف و بالله في خلقه قائم هجيره ﴿اَللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة:255]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية