[بيت اللّٰه الصحيح الذي لا سدنة عليه]
و قد ذكرنا في أول هذا الكتاب ما بقي في الحجر من البيت و لما ذا أبقاه اللّٰه فيه و بينا الحكمة الإلهية في ذلك من رفع التحجير و التجلي الإلهي في الباب المفتوح لمن أراد الدخول إليه و ذلك هو بيت اللّٰه الصحيح و ما بقي منه بأيدي الحجبة بني شيبة وقع في باطنه التحجير لأنه في ملك محدث و هو الموجود المقيد فلا بد أن يفعل ما تعطيه ذاته و الحديث النبوي في ذلك مشهور و الخلفاء و الأمراء غفلوا عن مقتضى معنى قوله تعالى حين مسك رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم مفتاح البيت الذي أخذه من بنى شيبة فأنزل اللّٰه تعالى ﴿إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا﴾ [النساء:58] فتخيل الناس أن الأمانة هي سدانة البيت و لم تكن الأمانة إلا مفتاح البيت الذي هو ملك لبني شيبة فرد إليهم مفتاحهم و أبقى صلى اللّٰه عليه و سلم عليهم ولاية السدانة و لو شاء جعل في تلك المرتبة غيرهم و للإمام أن يفعل ذلك إذا رأى في فعله المصلحة لكن الخلفاء لم يريدوا أن يؤخروا عن هذه الرتبة من قرره رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم فيها فهم مثل سائر ولاة المناصب إن أقاموا فيه الحق فلهم و إن جاروا فعليهم و للإمام النظر فبقي بيت اللّٰه عند العلماء بالله لا حكم لبني شيبة و لا لغيرهم فيه و هو ما بقي منه في الحجر «فمن دخله دخل البيت و من صلى فيه صلى في البيت كذا قال صلى اللّٰه عليه و سلم» «لعائشة أم المؤمنين رضي اللّٰه عنها» و لا يحتاج العارفون لمنة بنى شيبة فإن اللّٰه قد كفاهم بما أخرج لهم منه في الحجر فجناب اللّٰه أوسع أن يكون عليه سدنة من خلقه و لا سيما من نفوس جبلت على الشح و حب الرئاسة و التقدم و لقد وفق اللّٰه الحجاج رحمه اللّٰه لرد البيت على ما كان عليه في زمان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و الخلفاء الراشدين فإن عبد اللّٰه بن الزبير غيره و أدخله في البيت فأبى اللّٰه إلا ما هو الأمر عليه و جهلوا حكمة اللّٰه فيه يقول علي بن الجهم
و أبواب الملوك محجبات *** و باب اللّٰه مبذول الفناء
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية