و جعل اللّٰه ذلك على قسمين قسم يسمى سياسة حكمية ألقاها في فطر نفوس الأكابر من الناس فحدوا حدودا و وضعوا نواميس بقوة وجدوها في نفوسهم كل مدينة و جهة و إقليم بحسب ما يقتضيه مزاج تلك الناحية و طباعهم لعلمهم بما تعطيه الحكمة فانحفظت بذلك أموال الناس و دماؤهم و أهلوهم و أرحامهم و أنسابهم و سموها نواميس و معناها أسباب خير لأن الناموس في العرف الاصطلاحي هو الذي يأتي بالخير و الجاسوس يستعمل في الشر فهذه هي النواميس الحكمية التي وضعها العقلاء عن إلهام من اللّٰه من حيث لا يشعرون لمصالح العالم و نظمه و ارتباطه في مواضع لم يكن عندهم شرع إلهي منزل و لا علم لواضع هذه النواميس بأن هذه الأمور مقربة إلى اللّٰه و لا تورث جنة و لا نارا و لا شيئا من أسباب الآخرة و لا علموا أن ثم آخرة و بعثا محسوسا بعد الموت في أجسام طبيعية و دارا فيها أكل و شرب و لباس و نكاح و فرح و دارا فيها عذاب و آلام فإن وجود ذلك ممكن و عدمه ممكن و لا دليل لهم في ترجيح أحد الممكنين بل ﴿رَهْبٰانِيَّةً ابْتَدَعُوهٰا﴾ [الحديد:27]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية