فلو لا أن الشارع علم أن عندك حقيقة تسمى الخيال لها هذا الحكم ما قال لك كأنك تراه ببصرك فإن الدليل العقلي بمنع من كان فإنه يحيل بدليله التشبيه و البصر فما أدرك شيئا سوى الجدار فعلمنا إن الشارع خاطبك أن تتخيل أنك تواجه الحق في قبلتك المشروع لك استقبالها و اللّٰه يقول ﴿فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ﴾ [البقرة:115] و وجه الشيء حقيقته و عينه فقد صور الخيال من يستحيل عليه بالدليل العقلي الصورة و التصور فلهذا كان واسعا و أما ما فيه من الضيق فإنه ليس في وسع الخيال أن يقبل أمرا من الأمور الحسية و المعنوية و النسب و الإضافة و جلال اللّٰه و ذاته إلا بالصورة و لو رام أن يدرك شيئا من غير صورة لم تعط حقيقته ذلك لأنه عين الوهم لا غيره فمن هنا هو ضيق في غاية الضيق فإنه لا يجرد المعاني عن المواد أصلا و لهذا كان الحس أقرب شيء إليه فإنه من الحس أخذ الصور و في الصور الحسية يجلي المعاني فهذا من ضيقه و إنما كان هذا حتى لا يتصف بعدم التقييد و بإطلاق الوجود و بالفعال لما يريد إلا اللّٰه تعالى وحده ليس كمثله شيء فالخيال أوسع المعلومات و مع هذه السعة العظيمة التي يحكم بها على كل شيء قد عجز أن يقبل المعاني مجردة عن المواد كما هي في ذاتها فيرى العلم في صورة لبن أو عسل و خمر و لؤلؤ و يرى الإسلام في صورة قبة و عمد و يرى القرآن في صورة سمن و عسل و يرى الدين في صورة قيد و يرى الحق في صورة إنسان و في صورة نور فهو الواسع الضيق و اللّٰه واسع على الإطلاق عليم بما أوجد اللّٰه عليه خلقه كما قال تعالى ﴿أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدىٰ﴾ [ طه:50]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية