و ذلك من تجلى ملك فكيف به بتجلى ملك ﴿فَلَمّٰا تَجَلّٰى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسىٰ صَعِقاً﴾ [الأعراف:143] و «كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم إذا جاءه الوحي و نزل الروح الأمين به على قلبه أخذ عن حسه و سجي و رغا كما يرغو البعير حتى ينفصل عنه و قد وعى ما جاءه به فيلقيه على الحاضرين و يبلغه للسامعين» فمواجده صلى اللّٰه عليه و سلم من تجليات ربه على قلبه أعظم سطوة من نزول ملك و وارد في الوقت الذي لم يكن يسعه فيه غير ربه و لكن كان منتظرا مستعدا لذلك الهول و مع هذا يؤخذ عن نفسه فلو لا أنه رسول مطلوب بتبليغ الرسالة و سياسة الأمة لذهب اللّٰه بعقول الرسل لعظيم ما يشاهدونه فمكنهم اللّٰه القوي المتين من القوة بحيث يتمكنون من قبول ما يرد عليهم من الحق و يوصلونه إلى الناس و يعملون به
[مراتب الناس في قبول الواردات الإلهية]
فاعلم إن الناس في هذا المقام على إحدى ثلاث مراتب منهم من يكون وارده أعظم من القوة التي يكون في نفسه عليها فيحكم الوارد عليه فيغلب عليه الحال فيكون بحكمه يصرفه الحال و لا تدبير له في نفسه ما دام في ذلك الحال فإن استمر عليه إلى آخر عمره فذلك المسمى في هذه الطريقة بالجنون كأبي عقال المغربي و منهم من يمسك عقله هناك و يبقى عليه عقل حيوانيته فيأكل و يشرب و يتصرف من غير تدبير و لا روية فهؤلاء يسمون عقلاء المجانين لتناولهم العيش الطبيعي كسائر الحيوانات و أما مثل أبي عقال فمجنون مأخوذ عنه بالكلية و لهذا ما أكل و ما شرب من حين أخذ إلى أن مات و ذلك في مدة أربع سنين بمكة فهو مجنون أي مستور مطلق عن عالم حسه و منهم من لا يدوم له حكم ذلك الوارد فيزول عنه الحال فيرجع إلى الناس بعقله فيدبر أمره و يعقل ما يقول و يقال له و يتصرف عن تدبير و روية مثل كل إنسان و ذلك هو النبي و أصحاب الأحوال من الأولياء و منهم من يكون وارده و تجليه مساويا لقوته فلا يرى عليه أثر من ذلك حاكم لكن يشعر عند ما يبصران ثم أمرا ما طرأ عليه شعورا خفيا فإنه لا بد لهذا أن يصغي إليه أي إلى ذلك الوارد حتى يأخذ عنه ما جاءه به من عند الحق فحاله كحال جليسك الذي يكون معك في حديث فيأتي شخص آخر في أمر من عند الملك إليه فيترك الحديث معك و يصغي إلى ما يقول له ذلك الشخص فإذا أوصل إليه ما عنده رجع إليك فحادثك فلو لم تبصره عينك و رأيته يصغي إلى أمر شعرت أن ثم أمرا شغله عنك في ذلك كرجل يحدثك فأخذته فكرة في أمر فصرف حسه إليه في خياله فجمدت عينه و نظره و أنت تحدثه فتنظر إليه غير قابل حديثك فتشعر أن باطنه متفكر في أمر آخر خلاف ما أنت عليه و منهم من تكون قوته أقوى من الوارد فإذا أتاه الوارد و هو معك في حديث لم تشعر به و هو يأخذ من الوارد ما يلقى إليه و يأخذ عنك ما تحدثه به أو يحدثك به و ما ثم أمر رابع في واردات الحق على قلوب أهل هذه الطريقة و هي مسألة غلط فيها بعض أهل الطريق في الفرق بين النبي و الولي فقالوا الأنبياء يصرفون الأحوال و الأولياء تصرفهم الأحوال فالأنبياء مالكون أحوالهم و الأولياء مملوكون لأحوالهم و الأمر إنما هو كما فصلناه لك و قد بينا لك لما ذا يرد الرسول و يحفظ عليه عقله مع كونه يؤخذ و لا بد عن حسه في وقت وارد الحق على قلبه بالوحي المنزل فافهم ذلك و تحققه
[من نوادر عقلاء المجانين]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية