
وصايا الشيخ الأكبر
وهو الباب 560 الذي ختم به الشيخ محي الدين موسوعة الفتوحات المكية بمجموعة وصايا جامعة
وهو يمثل السفرين السادس والثلاثين والسابع والثلاثين وفق مخطوطة قونية
(وصية)
![]() |
![]() |
(وصية)
(وصية)
عليك بإكرام الضيف فإنه
قد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه
فإن كان الضيف مقيما فثلاثة أيام حقه عليك وما زاد فصدقة فإن كان مجتازا فيوم وليلة جائزته ولشيخنا أبي مدين في هذه المسألة حكاية عجيبة كان رضي الله عنه يقول بترك الأسباب التي يرتزق بها الناس وكان قوي اليقين ويدعو الناس إلى مقامه والاشتغال بالأهم فالأهم من عباد الله فقيل له في ذلك أي في ترك الأسباب والأكل من الكسب وإنه أفضل من الأكل من غير الكسب فقال رضي الله عنه أ لستم تعلمون أن الضيف إذا نزل بقوم وجب بالنص عليهم القيام بحقه ثلاثة أيام إذا كان مقيما فقالوا نعم فقال فلو إن الضيف في تلك الأيام يأكل من كسبه أ ليس كان العار يلحق بالقوم الذين نزل بهم فقالوا نعم فقال إن أهل الله رحلوا عن الخلق ونزلوا بالله أضيافا عنده فهم في ضيافة الله ثلاثة أيام وإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ فنحن نأخذ ضيافته على قدر أيامه فإذا كملت لنا ثلاثة أيام من أيام الله من نزلنا عليه ولا نحترف ونأكل من كسبنا عند ذلك يتوجه اللؤم وإقامة مثل هذه الحجة علينا فانظر يا أحي ما أحسن نظر هذا الشيخ وما أعظم موافقته للسنة فلقد نور الله قلب هذا الشيخ فحق الضيف واجب وهو من شعب الايمان أعني إكرام الضيف وكذلك من شعب الايمان قول الخير أو الصمت عن الشر يقول الله لا خَيْرَ في كَثِيرٍ من نَجْواهُمْ إِلَّا من أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ هذا في النجوى ومخاطبة الناس وذكر الله أفضل القول والتلاوة أفضل الذكر ومن الايمان وشعبه اجتناب مجالس الشرب فإنه
ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر
وعليك إذا عملت عملا مشروعا أن تحسنه فإنه من حسن عمله بلغ أمله وحسن العمل أن تعمله كما شرع الله لك أن تعمله وأن ترى الله تعالى في عملك إياه فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فسر الإحسان بما ذكرناه
فقال في الثابت عنه الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه
وإذا أردت أن تأتي الجمعة فاغتسل لها فإن الغسل وإن كان واجبا عليك يوم الجمعة لمجرد اليوم فإنه قبل الصلاة للصلاة أفضل بلا خلاف فإذا توضأت كما ذكرت لك في باب الوضوء من هذا الكتاب فامش إلى الجمعة وعليك السكينة والوقار ولا تفرق بين اثنين إلا
أن ترى فرجة فتاوى إليها وتقرب من الخطيب وأنصت لكلامه إذا خطب ولا تمسح الحصى فإن مسح الحصى لغو ولا تقل لمتكلم أنصت والإمام يخطب فإن ذلك من اللغو وفرغ قلبك لما يأتي به من الذكر فإن المؤمن ينتفع بالذكرى ولتلبس أحسن ثيابك وتمس من الطيب إن كان معك ولتهجر ما استطعت وإن أردت الخروج من الخلاف في التهجير فتسعى إليها في أول ساعة من النهار تكن من أصحاب البدن وتدنو من الإمام ما استطعت وإن كان لك أهل فلتجعلهم يغتسلون يوم الجمعة كما اغتسلت وإن كنت جنبا فاغتسل غسلين غسل الجنابة وغسل الجمعة فهو أولى فإن لم تفعل فاغتسل للجنابة فعسى يجزيك عن غسل الجمعة فإنه قد ثبت من غسل واغتسل وبكر وابتكر وعليك بالوضوء على الوضوء فإنه نور على نور ولقيت على ذلك جماعة من الشيوخ ببلاد المغرب يتوضئون لكل صلاة فريضة وإن كانوا على طهارة وأما التيمم لكل فريضة فالدليل في وجوب ذلك أقوى من قياسه على الوضوء وإليه أذهب فإن نص القرآن في ذلك ولو لا إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم شرع في الوضوء ما شرع من صلاة فريضتين فصاعدا بوضوء واحد لكان حكم القرآن يقتضي أن يتوضأ لكل صلاة وبالجملة فهو أحسن بلا خلاف فإن الوضوء عندنا عبادة مستقلة وإن كان شرطا في صحة عبادة أخرى فلا يخرجه ذلك عن أن يكون عبادة مستقلة في نفسه مرادا لعينه وتحفظ أن تؤذي شخصا قد صلى الصبح فإنه في ذمة الله فلا تحقر الله في ذمته وما رأيت أحدا يدعي هذا القدر في معاملته الخلق وقد أغفله الناس فإنه
قد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال من صلى الصبح فهو في ذمة الله
فإياك إن يتبعك الله بشيء من ذمته وحافظ كل يوم على صلاة اثنتي عشرة ركعة فإنه قد ثبت الترغيب في ذلك عن رسول الله ص
وحافظ على صلاة العصر فإنه من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله وإذا قعدت في مسجد أو في مجلسك أو حيث كنت فاقعد على طهارة منتظرا دخول وقت الصلاة واجعل موضع جلوسك مسجدك فإن الأرض كلها مسجد بالنص وإن كان في المسجد المعروف في العرف كان أفضل فإنه من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح وقد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداهن تحط عنه خطيئة والأخرى ترفع له درجة
وعليك من قيام الليل بما يزيل عنك اسم الغفلة وأقل ذلك أن تقوم بعشر آيات
فإنك إذا قمت بعشر آيات لم تكتب من الغافلين هكذا ثبت عن المبلغ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عن الله
وحافظ في السنة كلها على القيام كل ليلة ولو بما ذكرت لك ولا تهمل الدعاء في كل ليلة واجعل من دعائك السؤال في العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة فإنك لا تدري متى تصادف ليلة القدر من سنتك فإني قد أريتها مرارا في غير شهر رمضان فهي تدور في السنة وأكثر ما يكون في شهر رمضان وأكثر ما تكون في ليلة وتر من الشهر وقد تكون في شفع وقد أريتها في ليلة الثامن عشر من الشهر وقد أريتها في العشر الوسط من رمضان فإن زدت على عشر آيات في قيام الليل فأنت بحسب ما تزيد فإن زدت إلى المائة كتبت من الذاكرين وإن زدت إلى ألف آية كتبت من المقسطين وعليك بصيام ستة أيام من شوال ولتجعلها من ثاني يوم من شوال متتابعات إلى أن تفرغ لتخرج بذلك من الخلاف وإذا قضيت أيام رمضان من مرض أو سفر فاقضه متتابعا كما أفطرته متتابعا تخرج بذلك من الخلاف فإن شهر رمضان متتابع الأيام في الصوم وإن قدرت أن تشارك في فطرك صائما أو تفطر صائما فافعل فإن لك أجره أي مثل أجره وعليك إن كنت مجاورا بمكة بكثرة
الطواف فإن طواف كل أسبوع يعدل عتق رقبة فأعتق ما استطعت تلحق بأصحاب الأموال مع أجر الفقر واجهد أن ترمي بسهم في سبيل الله وإن تعلمت الرمي فاحذر أن تنساه فإن نسيان الرمي بعد العلم به من الكبائر عند الله وكذلك من حفظ آية من القرآن ثم نسيها إما من محفوظه وإما ترك العمل بها فإنه لا يعذب أحد من العالمين يوم القيامة بمثل عذابه لأنه لا مثل للقرآن الذي نسيه وعليك بتجهيز المجاهد بما أمكنك ولو برغيف إذا لم تكن أنت المجاهد واخلف الغزاة في أهلهم بخير تكتب معهم وأنت في أهلك واحذر إن لم تغز أن لا تحدث نفسك بالغزو فإنك إن لم تغز ولا تحدث نفسك بالغزو كنت على شعبة من نفاق وأجهد في إعطاء ما يفضل عنك لمعدم ليس ذلك من طعام أو شراب أو لباس أو مركوب وعليك بتعلم علم الدين إن عملت به عملت على علم أو علمته أحدا من الناس كان ذلك التعليم عملا من أعمال الخير قد أتيته وأسأل من الله ما تعلم أن فيه خيرا عند الله فإنه إن أعطاك ما سألت وإلا أعطاك أجر ما سألت فإنه قد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما يؤيد ما ذكرناه وذلك
أنه قال من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه
وعليك بالإحسان إلى كل من تعول وادع إلى خير ما استطعت فإنك لن تدعو إلى خير إلا كنت من أهله ومن أجابك إليه فلك مثل أجره فيما أجابك من ذلك
ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا
ولقد بلغني عن الشيخ أبي مدين أنه سن لأصحابه ركعتين بعد الفراغ من الطعام يقرأ في الأولى لإيلاف قريش وفي الآخرة قل هو الله أحد ومشت سنة في أصحابه وقد ثبت أنه من دل على خير فله مثل أجر فاعله وعليك بصلة الأرحام وحافظ على النسب الذي بينك وبين الله فإنه من الأرحام وعليك بإنظار المعسر إلى ميسرة فإن الله يقول وإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وإن وضعت عنه فهو أعظم لأجرك فإنه
قد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال من أنظر معسرا أوضع عنه أظله الله في ظله وإن الله يوم القيامة يتجاوز عمن يتجاوز عن عباده
وقد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أيضا أنه قال من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه
واعلم أن من الايمان أن تسرك حسنتك وتسوءك سيئتك واحذر من الكبر والغل والرين
واستر عورة أخيك إذا أطلعك الله عليها فإن ذلك يعدل أحياء موءودة هكذا ورد النص في ذلك عن رسول الله ص
فإن مقادير الثواب لا يدرك بالقياس وعليك بالسعي في قضاء حوائج الناس وقد رأينا عل ذلك جماعة من الناس يثابرون عليه وهو من أفضل الأعمال وفرج عن ذي الكربة كربته واستر على مسلم إذا رأيته في زلة يطلب التستر بها ولا تفضحه وأقل عثرة أخيك المسلم وخذ بيده كلما عثر وأقله بيعته إذا استقالك فإن ذلك كله مرغب فيه مندوب إليه مأمور به شرعا وهو من مكارم الأخلاق وعليك بالزهد في الدنيا ولباس الخشن فإنه
قد ورد أنه من ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه كساه الله حلة الكرامة
وهذا ثابت وكن من الكاظمين الغيظ إذا قدرت على إنفاذه فإن الله قد أثنى على الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ والْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه ملأه الله أمنا وإيمانا
فمن الايمان كظم الغيظ وارحم أخاك المؤمن ممن يريد ضره ما استطعت وبما قدرت عليه من ذلك وإذا نزل بك ضر فلا تنزله إلا بالله ولا تسأل في كشفه إلا الله وإن قلت بالأسباب فلا يغب الله عن نظرك فيها فإن الله في كل سبب وجها فليكن ذلك الوجه من ذلك السبب مشهودا لك واعلم أنه ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الدجال وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم كان يستعيذ من فتنة الدجال
تعليما لنا أن نستعيذ من ذلك وفي الاستعاذة من فتنته وجهان الوجه الواحد الاستعاذة من فتنته حتى لا تصدقه في دعواه وأن تعصم منه ومن أراد أن يعصمه لله من ذلك فليحفظ عشر آيات من أول سورة الكهف فإنه يعصم بها من فتنة الدجال والوجه الآخر أن تعصم من أن يقوم بك من الدعوى ما قام بالدجال فتدعى لنفسك دعوته فإنك مستعد لكل خير وشر يقبله الإنسان من حيث ما هو إنسان وثابر ما استطعت على إن تسأل الله الوسيلة لرسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فإنه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قد سأل منا ذلك فالمؤمن
من أسعفه في سؤاله مع ما يعود عليه في ذلك من الخير أدناه وجوب الشفاعة له يوم القيامة إن اضطر إليها وإذا رأيت من يتعمل في تحصيل خير فأعنه على ذلك بما استطعت ولا تمنع رفدك ممن استرفدك وإياك أن تجلد عبدك فوق جنايته وإن عفوت فهو أحوط لك فإنك عبد الله ولك إساءة تطلب من الله العفو عنك لها فاعف عن عبدك ولا تأكل وحدك ما استطعت ولو لقمة تجعلها في فم خادمك من الطعام الذي بين يديك إذا لم يجبك إلى الأكل معك واستغن بالله صدقا من حالك فإن الله لا بد أن يغنيك فإن استغناك بالله من القرب إلى الله وقد ثبت أنه
من تقرب إلى الله شبرا تقرب الله منه ذراعا الحديث
وكذلك من يستعف بالله روى أن بعض الصالحين لم يكن له شيء من الدنيا فتزوج فجاءه ولد وما أصبح عنده شيء فأخذ الولد وخرج ينادي به هذا جزاء من عصى الله فقيل له زنيت فقال لا وإنما سمعت الله يقول في كتابه العزيز ولْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ الله من فَضْلِهِ فعصيت أمر الله وتزوجت وأنا لا أجد نكاحا فافتضحت فرجع إلى منزله بخير كثير وإن قدرت على العتق فأعتق رقبة وإن لم تجد مالا ويكون لك علم فاهديه رجلا منافقا أو كافرا أورد به مسلما عن كبيرة فإنك تعتقه بذلك من النار وهو أفضل من عتق رقبة ومن ملك أحد في الدنيا وفكاك العاني أولى من عتق العبد فإنه عتق وزيادة واعلم أن الفقير الذي لا يقدر على إحياء أرض ميتة فليحي أرض بدنه بما يعمل فيها من الطاعة لله تعالى وليحى مواضع الغفلة بذكر الله فيها وليحى العمل بالإخلاص فيه
وإن أردت أن لا يضرك في يومك سحر ولا سم فلتصبح بسبع تمرات من العجوة أو تسحر بها إن أصبحت صائما فإنه كذا ثبت عن رسول الله ص
وعليك بخدمة الفقراء إلى الله ومجالسة المساكين والدعاء للمسلمين بظهر الغيب عموما وخصوصا وصحبة الصالحين والتحبب إليهم وانو في جميع حركاتك خيرا مشروعا فإنك لما نويت وإذا رأيت من أعطاه الله مالا وفعل فيه خيرا وحرمك الله ذلك المال فلا تحرم نفسك أن تتمنى أن تكون مثله فإن الله يأجرك مثل أجره وزيادة وإذا جلست مجلسا فاذكر الله فيه ولا بد وإياك أن تحرم الرفق فإنك إن حرمت الرفق فقد حرمت الخير كله وأجر من استجار بك إلا في حد من حدود الله فإن كان في حد من حدود الخلق فأصلح في ذلك ما استطعت بينه وبين صاحب الحق ولا تسلمه ولو مضى فيه جميع مالك وإذا رأيت من يستعيذ بالله فأعذه
فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم تزوج امرأة فلما دخل عليها استعاذت بالله منه لشقاوتها فقال عذت بعظيم الحقي بأهلك فطلقها ولم يقربها وأعاذها
وإذا سألك أحد بالله وأنت قادر على مسألته فأعطه وإن لم تقدر على مسألته فادع له فإنك إذا دعوت له مع عدم القدرة فقد أعطيته ما بلغت إليه يدك من مسألته فإن الله لا يكلف نفسا إِلَّا ما آتاها وإذا أسدى إليك أحد معروفا فلتكافئه على معروفه ولو بالدعاء إذا عجزت عن مكافاته بمثل ما جاءك به وإذا أسديت أنت إلى أحد معروفا فأسقط عنه المكافاة ولتعلمه بذلك ولتظهر له الكراهة إن كافاك حتى تريح خاطره ولا سيما إن كان من أهل الله فإن جاءك بمكافاة على ذلك وتعلم منه أنه يعز عليه عدم قبولك لذلك فاقبله
منه وإن علمت منه أنه يفرح بردك عليه بعد أن وفى هو ما وجب عليه من المكافاة فرد عليه بسياسة وحسن تلطف واجعل لك الحاجة عنده في قبول ما رددت عليه من ذلك حتى يتحقق أنه قد قضى لك حاجة في قبول ما رددت عليه من المكافاة وإياك أن تدعى ما ليس لك فإن ذلك ليس من المروءة مع ما فيه من الوزر عند الله وإن رميت بشيء مذموم فلا تنتصر لنفسك واسكت ولا تتعرض لمن رماك بأنه يكذب ولا تقر على نفسك بما لم تفعل مما نسب إليك هكذا فعل ذو النون مع المتوكل حين سأله عما يقول الناس فيه من رميه بالزندقة فقال يا أمير المؤمنين إن قلت لا أكذبت الناس وإن قلت نعم كذبت على نفسي فاستحسن ذلك منه أمير المؤمنين وما قبل فيه قول قائل ورده مكرما إلى مصر واعتذر له وحكايته في ذلك مشهورة ذكرها الناس وقد ثبتت الأخبار الصحيحة في إثم من ادعى ما ليس له أو اقتطع ما لا يجب له من حق الغير واحذر في يمينك إن تحلف بملة غير ملة الإسلام أو بالبراءة من الإسلام فإنك إن كنت صادقا فلن ترجع إلى الإسلام سالما ولتجدد إسلاما إذا فعلت مثل ذلك ومع هذا فلا تحلف إلا بالله فإنك إن حلفت بغير الله كنت عاصيا للنهي الوارد في ذلك وإن حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك ولتأت الذي هو خير وإياك والكذب في الرؤيا
أو الكذب على الله أو على رسول الله أو تحدث بحديث ترى أنه كذب فتحدث به ولا تبين عند السامع أنه كذب واحذر أن تسمع حديث قوم وهم يكرهون أن تسمعه فإنه نوع من التجسس الذي نهى الله عنه واحذر أن تخبث امرأة على زوجها أو مملوكا على سيده واحذر أن تنام على سطح ما له احتجاز فإن فعلت فقد برئت منك الذمة وإياك أن تحب قيام الناس لك وبين يديك تعظيما لك وهذا كثير في هذه البلاد أعني العراق وما جاوره فما رأيت منهم أحدا يسلم من حب ذلك مع علمهم بما فيه وقد جرت لنا معهم في ذلك حكايات مع علمائهم فما ظنك بعامتهم وقمت مرة لأحدهم فقال لي لا تفعل وقال لي إن النهي قد ورد في ذلك فقلت له يا فقيه أنت المخاطب بذلك أن لا تحب أن يتمثل الناس بين يديك قياما ما أنا المخاطب بذلك إني لا أقوم لمثلك فتعجب من هذا الجواب واستحسنه وكان من علماء الشريعة وإياك أن تقبل هدية من شفعت فيه شفاعة فإن ذلك من الربا الذي نهى الله عنه بنص رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في ذلك
ولقد جرى لنا مثل هذا في تونس من بلاد إفريقية دعاني كبير من كبرائها يقال له ابن معتب إلى بيته لكرامة استعدها لي فأجبت الداعي فعند ما دخلت بيته وقدم الطعام طلب مني شفاعة عند صاحب البلد وكنت مقبول القول عنده متحكما فأنعمت له في ذلك وقمت وما أكلت له طعاما ولا قبلت منه ما قدمه لنا من الهدايا وقضيت حاجته ورجع إليه ملكه ولم أكن بعد وقفت على هذا الخبر النبوي وإنما فعلت ذلك مروءة وأنفة وكان عصمة من الله في نفس الأمر وعناية إلهية بنا وإياك أن تشفع عند حاكم في حد من حدود الله كلم ابن عباس في رجل أصاب حدا من حدود الله أن يكلم الحاكم فيه فقال ابن عباس لعنني الله إن شفعت فيه ولعن الله أخاكم إن قبل الشفاعة فيه لو أردتم ذلك لجئتموني قبل إن يصل إلى الحاكم وكان سارقا
ثبت في الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من حالت شفاعته دون حدود الله فقد ضاد الله
وإياك أن تخاصم في باطل فتسخط الله عليك وكذلك
لا تعن على خصومة بعلم تدفع به حقا فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول فيمن أعان على ذلك إنه يبوء بغضب من الله
ولا تقل في مؤمن ما ليس فيه مما يشينه عند الناس وقد ثبت أنه من رمى مسلما بشيء يريد يشينه حبسه الله على جمر جهنم حتى يخرج مما قال
يعني يتوب واحذر أن تأكل الدنيا بالدين أو تأكل مال أحد بإخافته فيعطيك اتقاء وإياك أن تسمع فيسمع الله بك سمعت شيخنا المحدث الزاهد أبا الحسن يحيى بن الصانع بمدينة سبتة ونحن بمنزله يقول لاكل الدنيا بالدف والمزمار خير لي من أني آكلها بالدين وكف لسانك عن اللعنة ما استطعت فإنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت عليه اللعنة أي بعد عنه الخير الذي كان له من ذلك الذي لعنه لو لم يلعنه ولقد روينا عن رجل كان في غزاة فضاع له آلة من آلات دابته فسئل عن الضائع فقال راح في لعنة الله ثم إن الرجل استشهد في تلك الغزاة فرآه إنسان في النوم فسأله ما فعل الله به فقال إن الله وزن لي كل ما عندي حتى روث الفرس وبوله جعله في ميزاني وأثابني به فلم أر في الميزان سرج الدابة الذي كان ضاع لي فقلت يا رب وأين سرج دابتي فقال هو حيث جعلته في لعنة الله حيث سألت عنه فحرم خيره فعادت لعنة السرج عليه بهذا المعنى وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في سفر فسمع امرأة تلعن ناقتها فأمر بها فسيبت وقال لا يصحبنا ملعون فطردت من الركب
قال الراوي فلقد كنا نراها تطلب أن تلحق بالركب والناس يطردونها فتركناها منقطعة فكانت عقوبة صاحبتها إن بعد عنها خيرها وهو ركوبها فحارت اللعنة عليها فإن اللعنة البعد واحذر أن تكفر مؤمنا فإن تكفير المؤمن كقتله ولا تهجر أخاك فوق ثلاث فإذا لقيته بعد ثلاث فابدأه بالسلام تكن خير الشخصين المهاجرين ولما هجر الحسن محمد ابن الحنفية أخاه وتهاجر أنفذ إليه محمد بن الحنفية بعد ثلاث فقال يا أخي يا ابن رسول الله إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول لا يهجر أحدكم أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام وقد فرغت الثلاث فأما إن تأتيني فتبدأني بالسلام فإنك خير مني وإن كنا ابني رجل واحد فأنت سبط رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فإن خير الرجلين المتهاجرين من يبدأ بالسلام وإن لم تفعل جئت إليك فبدأتك بالسلام فبلغ ذلك الحسن فشكره وركب دابته وقصد إلى منزله فبدأه بالسلام
فانظر ما أحسن هذا كيف أثر على نفسه من هو أفضل منه
يرجو بذلك المنزلة والمحبة عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فهكذا ينبغي للعاقل أن يحتاط لنفسه ويأتي الأفضل فالأفضل ويعرف الفضل لأهله وقد ثبت أنه من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه وإياك واللعب بالنرد فإن في اللعب بالنرد معصية الله ورسوله وفي الشطرنج خلاف وكل ما فيه خلاف فالاحتياط إن تخرج من الخلاف باجتنابه واجتنب القمار بكل شيء مطلقا وكل ما تغفل باللهو به عن أداء فرض من فروض الله عليك أو عن ذكر الله فاجتنبه دخل بعض أهل الله من العلماء على قوم يلعبون بالشطرنج فقال ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ وإن كان اللعب بالشطرنج حلالا فالمصور له مأثوم إثم المصورين وأخبرني الزكي شيخنا أحمد بن مسعود بن سداد المقري الموصلي بمدينة الموصل سنة إحدى وستمائة قال رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فقلت له يا رسول الله ما تقول في الشطرنج يعني في اللعب به قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حلال وكان الرائي حنفي المذهب قال فقلت والنرد قال حرام قال قلت يا رسول الله ما تقول في الغناء قال حلال قلت فالشبابة قال حرام قال قلت يا رسول الله ادع الله لي فقد مستني الحاجة أو كما قال مما هذا معناه قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم رزقك الله ألف دينار كل دينار من أربعة دراهم واستيقظت فدعاني الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله في شغل فلما خرجت من عنده أمر لي بأربعة آلاف درهم فما بت إلا والدراهم عندي كاملة التي عينها لي في دعائه رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قال فاعتقدت من تلك الساعة تحليل الشطرنج الذي كنت أعتقد تحريمه وتحريم الشبابة وكنت أعتقد النقيض في هذين الشيئين وإياك وتصديق الكهان وإن صدقوا واجتنب ما استطعت الاستمطار بالأنواء وعلم النجوم اجتنبه مطلقا احتياطا إلا ما يحتاج منه إلى معرفة الأوقات والوقوف عند قول الشارع هو طريق النجاة وتحصيل السعادة وما ندندن إلا على ذلك واحذر أن تنام وفي يدك دسم أو على ظاهر فمك من أجل الهوام والشياطين وإياك أن تشاقق على أحد ولا تضارره ولا تكن ذا وجهين تأتي قوما بوجه وقوما بوجه واحذر من الاحتكار لانتظار الغلاء لأمة محمد عليه السلام ولا تتخذ كلبا إلا أن تكون في أمر تطلب الحراسة فيه أو صيد ولا تغصب مسلما شيئا ولا ذميا ولا ذا عهد وإذ ضربت مملوكا أو مملوكة حد الم يأنه أو لطمته في وجهه فأعتقه فإن كفارة فعلك به ذلك عتقه ولا ترم مملوكك ولا مملوكتك بالزنى من غير علم فإن الله يقيم عليك الحد في ذلك يوم القيامة واحذر من اتباع الصيد والمداومة عليه ولزوم البادية فإن الصيد يورث الغفلة وسكنى البادية يورث الجفاء وإياك وصحبة الملوك إلا أن تكون مسموع الكلمة عندهم فتنفع مسلما أو تدفع عن مظلوم أو ترد السلطان عن فعل ما يؤدي إلى الشقاء عند الله وعليك بالوفاء بالنذر إذا نذرت طاعة فإن نذرت معصية فلا تعص الله وكفر عن ذلك كفارة يمين فإنه أحوط وأرفع للخلاف وعليك بطاعة أولي الأمر من الناس ممن ولاة السلطان أمرك فإن طاعة أولي الأمر واجبة بالنص في كتاب الله وما لهم أمر يجب علينا امتثال أمرهم فيه إلا المباح لا الأمر بالمعاصي فإن غصبوك فاقبل غصبهم في بعض أحوالك وإن أمروك بالغصب فلا تغصب ولا تفارق الجماعة ولا تخرج يدا من طاعة فتموت ميتة جاهلية بنص رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ولا تخرج على الأمة ولا تنازع الأمر أهله وقاتل مع الأعدل من الاثنين وأوف لذي العهد بعهده ولذي الحق بحقه ولا تحمل السلاح في الحرم لقتال وإذا دخلت السوق بسهام فأمسك على نصالها لا تعقر أحدا وأنت لا تشعر ولا تمازح أخاك بحمل السلاح عليه وأكرم شعرك وغب بترجيله واكتحل وإذا اكتحلت فاكتحل وترا واشرب مصا ولا تتنفس في الإناء إذا شربت وأزل الإناء عن فمك وكل بثلاث أصابع وصغر اللقمة وكثر مضغها ولا تشرع في لقمة أخرى حتى تبتلع الأولى وسم الله عند قطع كل لقمة واحمد الله إذا ابتلعتها واشكره على أنه سوغك إياها ولا تجلس في مجلس أحد إذا قام منه بنية الرجوع إليه إلا أن يفارقه ولا يريد الرجوع إليه وكان ابن
عمر رضي الله عنه إذا قام أحد إليه من مكانه ليجلسه فيه يمتنع عليه ولا يجلس فإن القائم أحق به بنص رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ولا ترد طيبا إذا عرض عليك ولا لبنا ولا وسادة إذا قدم إليك شيء من هذا كله وإذا أخذت دينا فانو قضاءه ولا بد فإن الله يقضيه عنك إذا نويت
ذلك واعدل بين نسائك وفي رعيتك إن كنت راعيا تسعد إن شاء الله
![]() |
![]() |