الفتوحات المكية

وصايا الشيخ الأكبر

وهو الباب 560 الذي ختم به الشيخ محي الدين موسوعة الفتوحات المكية بمجموعة وصايا جامعة

وهو يمثل السفرين السادس والثلاثين والسابع والثلاثين وفق مخطوطة قونية


(وصية)

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

(وصية)

(وصية)

ونصيحة كتبت بها إلى السلطان الغالب بأمر الله كيكاوس صاحب بلاد الروم بلاد يونان رحمه الله جواب كتاب كتب به إلينا سنة تسع وستمائة بسم الله الرحمن الرحيم وصل الاهتمام السلطاني الغالب بأمر الله العزى أدام الله عدل سلطانه إلى والده الداعي له محمد بن العربي فتعين عليه الجواب بالوصية الدينية والنصيحة السياسية الإلهية على قدر ما يعطيه الوقت ويحتمله الكتاب إلى أن يقدر الاجتماع ويرتفع الحجاب فقد صح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله فقال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وأنت يا هذا بلا شك من أئمة المسلمين وقد قلدك الله هذا الأمر وأقامك نائبا في بلاده ومتحكما بما توفق إليه في عباده ووضع لك ميزانا مستقيما تقيمه فيهم وأوضح لك محجة بيضاء تمشي بهم عليها وتدعونهم إليها على هذا الشرط ولاك وعليه بايعناك فإن عدلت فلك ولهم وإن جرت فلهم وعليك فاحذر إن أراك غدا بين أئمة المسلمين من أخسر الناس أعمالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحَياةِ الدُّنْيا وهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ولا يكون شكرك لما أنعم الله به عليك من استواء ملكك بكفران النعم وإظهار المعاصي وتسليط التواب السوء بقوة سلطانك على الرعية الضعيفة فإن الله أقوى منك فيتحكمون فيهم بالجهالة والأغراض وأنت المسئول عن ذلك فيا هذا قد أحسن الله إليك وخلع خلع النيابة عليك فأنت نائب الله في خلقه وظله الممدود في أرضه فانصف المظلوم من الظالم ولا يغرنك إن الله وسع عليك سلطانك وسوى لك البلاد ومهدها مع إقامتك على المخالفة والجور وتعدى الحدود فإن ذلك الاتساع مع بقائك على مثل هذه الصفات إمهال من الحق لا إهمال وما بينك وبين أن تقف على أعمالك إلا بلوغ الأجل المسمى وتصل إلى الدار التي سافر إليها آباؤك وأجدادك ولا تكن من النادمين فإن الندم في ذلك الوقت غير نافع يا هذا ومن أشد ما يمر على الإسلام والمسلمين وقَلِيلٌ ما هُمْ رفع النواقيس والتظاهر بالكفر وإعلاء كلمة الشرك ببلادك ورفع الشروط التي اشترطها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أهل الذمة من أنهم لا يحدثون في مدينتهم ولا ما حولها كنيسة ولا ديرا ولا قلية ولا صومعة راهب ولا يجددون ما خرب منها ولا يمنعون كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعمونهم ولا يأوون جاسوسا ولا يكتمون غشا للمسلمين ولا يعلمون أولادهم القرآن ولا يظهرون شركا ولا يمنعون ذوي قرباتهم من الإسلام إن أرادوه وأن يوقروا المسلمين وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس ولا يتشبهون بالمسلمين في شي‏ء من لباسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا يتسمون بأسماء المسلمين ولا يتكنون بكناهم ولا يركبون سرجا ولا يتقلدون سيفا وأن لا يتخذوا شيئا من سلاح ولا ينقشوا خواتيمهم بالعربية ولا يبيعوا الخمور وأن يجروا مقادم رءوسهم وأن يلزموا زيهم حيث ما كانوا وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم ولا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم في طريق المسلمين ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ولا يضربوا بالناقوس إلا ضربا خفيا ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم‏

في شي‏ء من حضرة المسلمين ولا يخرجوا سعايين ولا يرفعوا مع أمواتهم أصواتهم ولا يظهروا النيران معهم ولا يشتروا من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين فإن خالفوا شيئا مما شورطوا عليه فلا ذمة لهم وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق فهذا كتاب الإمام العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال لا تبنى كنيسة في الإسلام ولا يجدد ما خرب منها

فتدبر كتابي ترشد إن شاء الله ما لزمت العمل به والسلام ثم أوقعت له بشعر عملته في الوقت أخاطبه به وهو

إذا أنت أعززت الهدى وتبعته *** فأنت لهذا الدين عز كما تدعى‏

وإن أنت لم تحفل به وأهنته *** فأنت مذل الدين تخفضه وضعا

فلا تأخذ الألقاب زورا فإنكم *** لتسأل عنها يوم يجمعكم جمعا

يقال لعز الدين أعززت دينه *** ويسأل دين الله عن عزكم قطعا

فإن شهد الدين العزيز بعزكم *** تكن مع دين الله في عزه شفعا

وإن قال دين الله كنت بملكه *** ذليلا وأهلي في ميادينه صرعا

وما زلت في سلطانه ذا مهانة *** وفي زعمه بي أنه محسن صنعا

فما حجة السلطان إن كان قوله *** كما قلت فليسكب لما قلته الدمعاء

وأدمن لباب الله إن كنت تبتغي *** تجاوزه عن ذنبك الضرب والقرعا

عسى جوده يوما يجود بفتحه *** فيبرز عفو الله يدفعه دفعا

فيا رب رفقا بالجميع فيا لها *** إذا اجتمع الخصمان من وقعة شنعا

فأنت إمام المتقين ورأسهم *** إذا لم تزل تجبر لدين الهدى صدعا

لكم نائب في الأمر أصح ملحدا *** وأضحى لأهل الدين يقطعهم قطعا

فما لك لم تغلبه واسمك غالب *** ومالك لم تعزله إذ أثر النقعا

فيا أيها السلطان حقق نصيحتي *** لكم وارعني منكم لما قلته سمعا

فإني لكم والله أنصح ناصح *** إذ ود الردي عنكم وامنعه منعا

وأجلب للسلطان من كل جانب *** من الدين والدنيا العوارف والنفعا

والله ينفعني بوصيتي ويجازيني على نيتي والسلام عليك ورحمة الله وبركاته‏

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!