الفتوحات المكية

وصايا الشيخ الأكبر

وهو الباب 560 الذي ختم به الشيخ محي الدين موسوعة الفتوحات المكية بمجموعة وصايا جامعة

وهو يمثل السفرين السادس والثلاثين والسابع والثلاثين وفق مخطوطة قونية


(وصية)

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

(وصية)

(وصية)

يا ولي راقب إيمانك وأضف إلى حسن صورته زينة العلم فإذا زينته به ظهر بصورة لم يكن عليها من الحسن فإذا أعجبك فأضف إليه زينة العمل بالعلم فتزيد حسنا إلى حسن فإذا تعشقت بصورة العمل لما ترى من حسنها ربما أداك ذلك إلى أن تحمل النفس فوق طاقتها فزين العمل بالرفق فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى وقد قيل ما أضيف شي‏ء إلى شي‏ء أزين من حلم إلى علم وإذا سبك إنسان فانظر فيما سبك به فإن كان ما سبك به صفة فيك فلا تلمه فما قال إلا حقا ولم نفسك وأزل عنها تلك الصفة المذمومة واشكره على ما ظهر منه فلقد بالغ في نصحك وإن لم يقصده ولكن الله أنطقه فارع له ذلك وإن سبك بما ليس فيك فخذ ذلك منه تذكرة وتحذيرا يحذرك بما ذكره أن تذكره لئلا تتصف به فيما تستقبله من زمانك فقد نصحك على كل حال فإن صدق فيما قال فقل غفر الله لي ولك وللمسلمين وإن كذب فيما قال فقل غفر الله لك فلقد نبهتني على أمر ربما لو لا تنبيهك وقعت فيه وأنشده هنيئا مريئا غير داء مخامر لعزة من أعراضنا ما استحلت كانت لي كلمة مسموعة عند بعض الملوك وهو الملك الظاهر صاحب مدينة حلب رحمه الله غازي ابن الملك الناصر لدين الله صلاح الدين يوسف بن أيوب فرفعت إليه من حوائج الناس في مجلس واحد مائة وثمان عشرة حاجة فقضاها كلها وكان منها إني كلمته في رجل أظهر سره وقدح في ملكه وكان من جملة بطانته وعزم على قتله وأوصى به نائبه في القلعة بدر الدين أي دمور أن يخفى أمره حتى لا يصل إلى حديثه فوصلني حديثه فلما كلمته في شأنه طرق وقال حتى أعرف المولى ذنب هذا المذكور وأنه من الذنوب الذي لا تتجاوز الملوك عن مثله فقلت له يا هذا تخيلت أن لك همة الملوك وأنك سلطان والله ما أعلم أن في العالم ذنبا يقاوم عفوي وأنا واحد من رعيتك وكيف يقاوم ذنب رجل عفوك في غير حد من حدود الله إنك لدني الهمة فحجل وسرحه وعفا عنه وقال لي جزاك الله خيرا من جليس مثلك من يجالس الملوك وبعد ذلك المجلس ما رفعت إليه حاجة إلا سارع في قضائها لفوره من غير توقف كانت ما كانت يا وليي احبس نفسك عن القليل من الذم تأمن كثيره فإن النفس فيها لجاجة إذا نوزعت صدعت وإذا سكت عنها انقمعت قال الأحنف ابن قيس في هذا المعنى من لم يصبر على كلمة أسمع كلمات ورب غيظ قد تجرعته مخافة ما هو أشد منه يا وليي والله ما عاقبت أحدا يجب على أدبه في حال غضبي فإذا ذهبت عني حالة الغضب والغيظ ورأيت المصلحة له في الأدب أدبته وأما ما يرجع إلي فأعفو عنه عن طيب نفس وعدم إقامة على دغل وحقد وابذل جهدي في إيصال خير إليه وأسارع إلى قضاء حوائجه وما أدري إني أقرضت أحدا قرضا وفي نفسي إني أطلبه منه فلا أطلبه وإن جاء به وأرى حاجتي إليه آخذه منه ولا أعلمه وإن علمت أنه ضيق على نفسه فيه أنظرته إلى ميسرة هذا فيما يختص بنفسي وحكم العيال حكم الجار الأقرب له حق يطلبه أنا مأمور بإيصاله إليه إذا قدرت عليه يا وليي اعلم أن الحاكم لا بد إذا أرضى أحد الخصمين أن‏

يسخط الآخر وأنت حاكم والخصمان في مجلس قلبك الملك والشيطان فارض الملك وأسخط الشيطان فإنه يقول للإنسان اكفر فإذا كفر قالَ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ الله رَبَّ الْعالَمِينَ واعلم أن الدين أقوى منه وأحصن والعدل أقوى عدة يتخذها الحاكم لقتال من يسخطه من الخصمين فإنه يقاتل هواه فيه ولا سيما إن كان المبطل حميمه وصاحبه وإذا أردت أن لا تخاف أحدا فلا تخف أحدا تأمن من كل شي‏ء إذا أمن منك كل شي‏ء مررت في سفري في زمان جاهليتي ومعي والدي وأنا ما بين قرمونة وبلمة من بلاد الأندلس وإذا بقطيع حمر وحش ترعى وكنت مولعا بصيدها وكان غلماني على بعد مني ففكرت في نفسي وجعلت في قلبي إني لا أوذى واحدا منها بصيد وعند ما أبصرها الحصان الذي أنا راكبة هش إليها فمسكته عنها ورمحي بيدي إلى أن وصلت إليها ودخلت بينها وربما مر سنان الرمح بأسنمة بعضها وهي في المرعى فو الله ما رفعت رءوسها حتى جزتها ثم أعقبني الغلمان ففرت الحمر أمامهم وما علمت سبب ذلك إلى أن رجعت إلى هذا الطريق أعني طريق الله فحينئذ علمت من نظري في المعاملة ما كان السبب وهو ما ذكرناه فسرى الأمان في نفوسهم الذي كان في نفسي لهم فكف عن ظلمك واعدل في حكمك ينصرك الحق ويطيعك الخلق وتصفو لك النعم وترتفع عنك التهم فيطيب عيشك ويسكن جأشك وملكت القلوب وأمنت محاربة الأعداء وأخفى ودك في نفسه من أظهر لك العداوة في حسه لحسد قام به فهو حبيب في صورة بغيض‏

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!