Mekkeli Fetihler: futuhat makkiyah

Gözat Başlıkları Bölüm I: Bilgi Üzerine (Maarif) Bölüm II: Etkileşimler (Muamalat) Bölüm IV: Meskenler (Manazil) Girişler Bölüm V: Tartışmalar (Munazalat) Bölüm III: Eyaletler (Ahwal) Bölüm VI: İstasyonlar (Kutup Makamı) Birinci Bölüm İkinci Bölüm Üçüncü Bölüm Dördüncü Bölüm

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة القيامة ومنازلها وكيفية البعث

فهو المخلوق الأول أ لا ترى الحق سبحانه أول ما خلق القلم أو قل العقل كما قال فما خلق إلا واحدا ثم أنشأ الحلق من ذلك الواحد فاتسع العالم وكذلك العدد منشؤه من الواحد ثم الذي يقبل الثاني لا من الواحد الوجود ثم يقبل التضعيف والتركيب في المراتب فيتسع اتساعا عظيما إلى ما لا يتناهى فإذا انتهيت فيه من الاتساع إلى حد ما من الآلاف وغيرها ثم تطلب الواحد الذي نشأ منه العدد لا يزال في ذلك تقلل العدد ويزول عنك ذلك الاتساع الذي كنت فيه حتى تنتهي إلى الاثنين التي بوجودها ظهر العدد إذ كان الواحد أولاها فالواحد أضيق الأشياء وليس بالنظر إلى ذاته بعدد في نفسه ولكن بما هو اثنان أو ثلاثة أو أربعة فلا يجمع بين اسمه وعينه أبدا فاعلم ذلك‏

[أرواح الأجسام المودعة في البرزخ وإدراكاتها]

والناس في وصف الصور بالقرن على خلاف ما ذكرناه وبعد ما قررناه فلتعلم إن الله سبحانه إذا قبض لأرواح من هذه الأجسام الطبيعية حيث كانت والعنصرية أودعها صورا جسدية في مجموع هذا القرن النوري فجميع ما يدركه الإنسان بعد الموت في البرزخ من الأمور إنما يدركه بعين الصورة التي هو فيها في القرن وبنورها وهو إدراك حقيقي ومن الصور هنالك ما هي مقيدة عن التصرف ومنها ما هي مطلقة كأرواح الأنبياء كلهم وأرواح الشهداء ومنها ما يكون لها نظر إلى عالم الدنيا في هذه الدار ومنها ما يتحلى للنائم في حضرة الخيال التي هي فيه وهو الذي تصدق رؤياه أبدا وكل رؤيا صادقة ولا تخطئ فإذا أخطأت الرؤيا فالرؤيا ما أخطأت ولكن العابر الذي يعبرها هو المخطئ حيث لم يعرف ما المراد بتلك الصورة

أ لا تراه صلى الله عليه وسلم ما قال لأبي بكر حين عبر رؤيا الشخص المذكور أصبت بعضا وأخطأت بعضا

وكذلك‏

قال في الرجل الذي رأى في النوم ضربت عنقه فوقع رأسه فجعل الرأس يتدهده وهو يكلمه فذكر له رسول الله أن الشيطان يلعب به‏

فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة ما رآه وما قال له خيالك فاسد فإنه رأى حقا ولكن أخطأ في التأويل فأخبره صلى الله عليه وسلم بحقيقة ما رآه ذلك النائم وكذلك قوم فرعون يعرضون على النار في تلك الصور غدوة وعشية ولا يدخلونها فإنهم محبوسون في ذلك القرن وفي تلك الصورة ويوم القيامة يدخلون أشد العذاب وهو العذاب المحسوس لا المتخيل الذي كان لهم في حال موتهم بالعرض‏

[عين الخيال تدرك الصورة الخيالية المطلقة المحسوسة]

فتدرك بعين الخيال الصور الخيالية والصور المحسوسة معا فيدرك المتخيل الذي هو الإنسان بعين خياله وقتا ما هو متخيل‏

كقوله صلى الله عليه وسلم مثلت لي الجنة في عرض هذا الحائط

فأدرك ذلك بعين حسه وإنما قلنا بعين حسه لأنه تقدم حين رأى الجنة ليأخذ قطفا منها وتأخر حين رأى النار وهو في صلاته ونحن نعرف أن عنده من القوة بحيث إنه لو أدرك ذلك بعين خياله لا بعين حسه ما أثر في جسمه تقدما ولا تأخرا فإنا نجد ذلك وما نحن في قوته ولا في طبقته صلى الله عليه وسلم وكل إنسان في البرزخ مرهون بكسبه محبوس في صور أعماله إلى أن يبعث يوم القيامة من تلك الصور في النشأة الآخرة والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ انتهى الجزء الثامن والعشرون‏

(الباب الرابع والستون في معرفة القيامة ومنازلها وكيفية البعث)

(بسم الله الرحمن الرحيم)

يوم المعارج من خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ *** يطير عن كل نوام به وسنه‏

والأرض من حذر عليه ساهرة *** لا تأخذنها لما يقضي الإله سنه‏

فكن غريبا ولا تركن لطائفة *** من الخوارج أهل الألسن اللسنه‏

وإن رأيت امرأ يسعى لمفسدة *** فخذ على يده تجزى به حسنة

ولتعتصم حذرا بالكهف من رجل *** تريك فتنته يوما كمثل سنه‏

قد مد خطوته في غير طاعته *** ولم يزل في هواه خالعا رسنه‏

[معنى يوم القيامة]

اعلم أنه إنما سمي هذا اليوم يوم القيامة لقيام الناس فيه من قبورهم لرب العالمين في النشأة الآخرة التي ذكرناها في البرزخ في الباب الذي قبل هذا الباب ولقيامهم أيضا إذا جاء الحق للفصل والقضاء والْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا قال الله تعالى يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ أي من أجل رب العالمين حين يأتي وجاء بالاسم الرب إذ كان الرب المالك فله صفة

القهر وله صفة الرحمة ولم يأت بالاسم الرحمن لأنه لا بد من الغضب في ذلك اليوم كما سيرد في هذا الباب ولا بد من الحساب والإتيان بجهنم والموازين وهذه كلها ليست من صفات الرحمة المطلقة التي يطلبها الاسم الرحمن غير أنه سبحانه أتى باسم إلهي تكون الرحمة فيه أغلب وهو الاسم الرب فإنه من الإصلاح والتربية فتقوى ما في المالك والسيد من فضل الرحمة على ما فيه من صفة القهر فتسبق رحمته غضبه ويكثر التجاوز عن سيئات أكثر الناس‏

[ظواهر القيامة ومشاهدها]

فأول ما أبين وأقول ما قال الله في ذلك اليوم من امتداد الأرض وقبض السماء وسقوطها على الأرض ومجي‏ء الملائكة ومجي‏ء الرب في ذلك اليوم وأين يكون الخلق حين تمد الأرض وتبدل صورتها وتجي‏ء جهنم وما يكون من شأنها ثم أسوق حديث مواقف القيامة في خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وحديث الشفاعة اعلم يا أخي أن الناس إذا قاموا من قبورهم على ما سنورده إن شاء الله وأراد الله أن يبدل الأرض غير الأرض وتمد الأرض بإذن الله ويكون الجسر دون الظلمة فيكون الخلق عليه عند ما يبدل الله الأرض كيف يشاء إما بالصورة وإما بأرض أخرى ما نيم عليها تسمى الساهرة فيمدها سبحانه مد الأديم يقول تعالى وإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ ويزيد في سعتها ما شاء أضعاف ما كانت من أحد وعشرين جزءا إلى تسعة وتسعين جزءا حتى لا تَرى‏ فِيها عِوَجاً ولا أَمْتاً ثم إنه سبحانه يقبض السماء إليه فيطويها بيمينه كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ثم يرميها على الأرض التي مدها واهية وهو قوله وانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ ويرد الخلق إلى الأرض التي مدها فيقفون منتظرين ما يصنع الله بهم فإذا وهت السماء نزلت ملائكتها على أرجائها فيرى أهل الأرض خلقا عظيما أضعاف ما هم عليه عددا فيتخيلون إن الله نزل فيهم لما يرون من عظم المملكة مما لم يشاهدوه من قبل فيقولون أ فيكم ربنا فتقول الملائكة سبحان ربنا ليس فينا وهو آت فتصطف الملائكة صفا مستديرا على نواحي الأرض محيطين بالعالم الإنس والجن وهؤلاء هم عمار السماء الدنيا ثم ينزل أهل السماء الثانية بعد ما يقبضها الله أيضا ويرمي بكوكبها في النار وهو المسمى كاتبا وهم أكثر عددا من السماء الأولى فتقول الخلائق أ فيكم ربنا فتفزع الملائكة من قولهم فيقولون سبحان ربنا ليس هو فينا وهو آت فيفعلون فعل الأولين من الملائكة يصطفون خلفهم صفا ثانيا مستديرا ثم ينزل أهل السماء الثالثة ويرمي بكوكبها المسمى الزهرة في النار ويقبضها الله بيمينه فتقول الخلائق أ فيكم ربنا فتقول الملائكة سبحان ربنا ليس هو فينا وهو آت فلا يزال الأمر هكذا سماء بعد سماء حتى ينزل أهل السماء السابعة فيرون خلقا أكثر من جميع من نزل فتقول الخلائق أ فيكم ربنا فتقول الملائكة سُبْحانَ رَبِّنا قد جاء ربنا وإِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا

[نزول الرب في ظلل من الغمام‏]

فيأتي الله في ظُلَلٍ من الْغَمامِ والْمَلائِكَةُ وعلى المجنة اليسرى جهنم ويكون إتيانه إتيان الملك فإنه يقول ملك (مالِكِ) يَوْمِ الدِّينِ وهو ذلك اليوم فسمي بالملك ويصطف الملائكة عليهم السلام سبعة صفوف محيطة بالخلائق فإذا أبصر الناس جهنم لها فوران وتغيظ على الجبابرة المتكبرين فيفرون الخلق بأجمعهم منها لعظيم ما يرونه خوفا وفزعا وهو الفزع الأكبر إلا الطائفة التي لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ فهم الآمنون مع النبيين على أنفسهم غير إن النبيين تفزع على أممها للشفقة التي جبلهم الله عليها للخلق فيقولون في ذلك اليوم سلم سلم وكان الله قد أمر أن تنصب للآمنين من خلقه منابر من نور متفاضلة بحسب منازلهم في الموقف فيجلسون عليها آمنين مبشرين وذلك قبل مجي‏ء الرب تعالى فإذا فر الناس خوفا من جهنم وفرقا لعظيم ما يرون من الهول في ذلك اليوم يجدون الملائكة صفوفا لا يتجاوزونهم فتطردهم الملائكة وزعة الملك الحق سبحانه وتعالى إلى المحشر وتناديهم أنبياؤهم ارجعوا ارجعوا فينادي بعضهم بعضا فهو قول الله تعالى فيما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ من الله من عاصِمٍ والرسل تقول اللهم سلم سلم ويخافون أشد الخوف على أممهم والأمم يخافون على أنفسهم والمطهرون المحفوظون الذين ما تدنست بواطنهم بالشبه المضلة ولا ظواهرهم أيضا بالمخالفات الشرعية آمنون بغبطهم النبيون في الذي هم عليه من الأمن لما هم النبيون عليه من الخوف على أممهم‏

[نداءات الحق الثلاث يوم الموقف‏]

فينادي مناد من قبل الله يسمعه أهل الموقف لا يدرون أو لا أدري هل ذلك نداء الحق سبحانه بنفسه أو نداء عن أمره سبحانه يقول في ذلك النداء يا أهل الموقف ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم فإنه قال لنا يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ تعليما له‏

وتنبيها ليقول كرمك ولقد سمعت شيخنا الشنختة يقول يوما وهو يبكي يا قوم لا تفعلوا بكرمه أخرجنا ولم نكن شيئا وعلمنا ما لم نكن نعلم وامتن علينا ابتداء بالإيمان به وبكتبه ورسله ونحن لا نعقل أ فتراه يعذبنا بعد أن عقلنا وآمنا حاشى كرمه سبحانه من ذلك فأبكاني بكاء فرح وبكى الحاضرون ثم نرجع ونقول فيقول الحق في ذلك النداء أين الذين كانت تَتَجافى‏ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وطَمَعاً ومِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ فيؤتى بهم إلى الجنة ثم يسمعون من قبل الحق نداء ثانيا لا أدري هل ذلك نداء الحق بنفسه أو نداء عن أمر الحق أين الذين كانوا لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وإِقامِ الصَّلاةِ وإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ والْأَبْصارُ لِيَجْزِيَهُمُ الله أَحْسَنَ ما عَمِلُوا ويَزِيدَهُمْ من فَضْلِهِ وتلك الزيادة كما قلنا من جنات الاختصاص فيؤمر بهم إلى الجنة ثم يسمعون نداء ثالثا لا أدري هل هو نداء الحق بنفسه أو نداء عن أمر الحق يا أهل الموقف ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم أين الذين صَدَقُوا ما عاهَدُوا الله عَلَيْهِ لِيَجْزِيَ الله الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ فيؤمر بهم إلى الجنة

[العنق المستشرف من النار ونداءاته الثلاث يوم الموقف‏]

فبعد هذا النداء يخرج عنق من النار فإذا أشرف على الخلائق وله عينان ولسان فصيح يقول يا أهل الموقف إني وكلت منكم بثلاث كما كان النداء الأول ثلاث مرات لثلاث طوائف من أهل السعادة وهذا كله قبل الحساب والناس وقوف قد ألجمهم العرق واشتد الخوف وتصدعت القلوب لهول المطلع فيقول ذلك العنق المستشرف من النار عليهم إني وكلت بكل جبار عنيد فيلقطهم من بين الصفوف كما يلقط الطائر حب السمسم فإذا لم يترك أحدا منهم في الموقف نادى نداء ثانيا يا أهل الموقف إني وكلت بمن آذى الله ورسوله فيلقطهم كما يلقط الطائر حب السمسم من بين الخلائق فإذا لم يترك منهم أحد نادى ثالثة يا أهل الموقف إني وكلت بمن ذهب يخلق كخلق الله فيلقط أهل التصاوير وهم الذين يصورون صورا في الكنائس لتعبد تلك الصور والذين يصورون الأصنام وهو قوله تعالى أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ فكانوا ينحتون لهم الأخشاب والأحجار ليعبدوها من دون الله فهؤلاء هم المصورون فيلقطهم من بين الصفوف كما يلقط الطير حب السمسم فإذا أخذهم الله عن آخرهم بقي الناس وفيهم المصورون الذين لا يقصدون بتصويرهم ما قصدها أولئك من عباداتها حتى يسألوا عنها لينفخوا فيها أرواحا تحيا بها وليسوا بنافخين كما

ورد في الخبر في المصورين فيقفون ما شاء الله ينتظرون ما فعل الله بهم والعرق قد ألجمهم‏

[مواقف القيامة الخمسون‏]

فحدثنا شيخنا القصار بمكة سنة تسع وتسعين وخمسمائة تجاه الركن اليماني من الكعبة المعظمة وهو يونس ابن يحيى بن الحسين بن أبي البركات الهاشمي العباسي من لفظه وأنا أسمع قال حدثنا أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الارموي قال حدثنا أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن موسى بن جعفر المعروف بابن الخياط المغربي قال قرئ على أبي سهل محمود بن عمر بن إسحاق العكبري وأنا أسمع قيل له حدثكم رضي الله عنكم أبو بكر محمد بن الحسن النقاش فقال نعم حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي الطبري المروزي قال حدثنا محمد بن حميد الرازي أبو عبد الله قال حدثنا سلمة بن صالح قال أنا القاسم بن الحكم عن سلام الطويل عن غياث بن المسيب عن عبد الرحمن بن غنم وزيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال كنت جالسا عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعنده عبد الله بن عباس رضي الله عنه وحوله عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في القيامة لخمسين موقفا كل موقف منها ألف سنة فأول موقف إذا خرج الناس من قبورهم يقومون على أبواب قبورهم ألف سنة عراة حفاة جياعا عطاشا فمن خرج من قبره مؤمنا بربه مؤمنا بنبيه مؤمنا بجنته وناره مؤمنا بالبعث والقيامة مؤمنا بالقضاء والقدر خيره وشره مصدقا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه نجا وفاز وغنم وسعد ومن شك في شي‏ء من هذا بقي في جوعه وعطشه وغمه وكربه ألف سنة حتى يقضي الله فيه بما يشاء

[السوق إلى سرادقات الحساب العشرة]

ثم يساقون من ذلك المقام إلى المحشر فيقفون على أرجلهم ألف عام في سرادقات النيران في حر الشمس والنار عن أيمانهم والنار عن شمائلهم والنار من بين أيديهم والنار من خلفهم والشمس من فوق رءوسهم ولا ظل إلا ظل العرش فمن لقي الله تبارك وتعالى شاهدا له بالإخلاص مقرا بنبيه صلى الله عليه وسلم بريئا من الشرك ومن السحر وبريئا من إهراق دماء المسلمين ناصحا لله ولرسوله محبا لمن أطاع الله ورسوله مبغضا لمن عصى الله ورسوله استظل تحت ظل عرش‏

الرحمن ونجا من غمه ومن حاد عن ذلك ووقع في شي‏ء من هذه الذنوب بكلمة واحدة أو تغير قلبه أو شك في شي‏ء من دينه بقي ألف سنة في الحر والهم والعذاب حتى يقضي الله فيه بما يشاء

[السوق إلى النور والظلمة]

ثم يساق الخلق إلى النور والظلمة فيقيمون في تلك الظلمة ألف عام فمن لقي الله تبارك وتعالى لم يشرك به شيئا ولم يدخل في قلبه شي‏ء من النفاق ولم يشك في شي‏ء من أمر دينه وأعطى الحق من نفسه وقال الحق وأنصف الناس من نفسه وأطاع الله في السر والعلانية ورضي بقضاء الله وقنع بما أعطاه الله خرج من الظلمة إلى النور في مقدار طرفة العين مبيضا وجهه قد نجا من الغموم كلها ومن خالف في شي‏ء منها بقي في الغم والهم ألف سنة ثم خرج منها مسودا وجهه وهو في مشيئة الله يفعل به ما يشاء

[السوق إلى سرادقات الحساب العشرة]

ثم يساق الخلق إلى سرادقات الحساب وهي عشر سرادقات يقفون في كل سرادق منها ألف سنة فيسأل ابن آدم عند أول سرادق منها عن المحارم فإن لم يكن وقع في شي‏ء منها جاز إلى السرادق الثاني فيسأل عن الأهواء فإن كان نجا منها جاز إلى السرادق الثالث فيسأل عن عقوق الوالدين فإن لم يكن عاقا جاز إلى السرادق الرابع فيسأل عن حقوق من فوض الله إليه أمورهم وعن تعليمهم القرآن وعن أمر دينهم وتأديبهم فإن كان قد فعل جاز إلى السرادق الخامس فيسأل عما ملكت يمينه فإن كان محسنا إليهم جاز إلى السرادق السادس فيسأل عن حق قرابته فإن كان قد أدى حقوقهم جاز إلى السرادق السابع فيسأل عن صلة الرحم فإن كان وصولا لرحمه جاز إلى السرادق الثامن فيسأل عن الحسد فإن كان لم يكن حاسدا جاز إلى السرادق التاسع فيسأل عن المكر فإن لم يكن مكر بأحد جاز إلى السرادق العاشر فيسأل عن الخديعة فإن لم يكن خدع أحدا نجا ونزل في ظل عرش الله تعالى قارة عينه فرحا قلبه ضاحكا فوه وإن كان قد وقع في شي‏ء من هذه الخصال بقي في كل موقف منها ألف عام جائعا عطشانا حزنا مغموما مهموما لا ينفعه شفاعة شافع‏

[المحشر ومواقفه الخمسة عشر]

ثم يحشرون إلى أخذ كتبهم بإيمانهم وشمائلهم فيحبسون عند ذلك في خمسة عشر موقفا كل موقف منها ألف سنة فيسألون في أول موقف منها عن الصدقات وما فرض الله عليهم في أموالهم فمن أداها كاملة جاز إلى الموقف الثاني فيسأل عن قول الحق والعفو عن الناس فمن عفا عفا الله عنه وجاز إلى الموقف الثالث فيسأل عن الأمر بالمعروف فإن كان آمرا بالمعروف جاز إلى الموقف الرابع فيسأل عن النهي عن المنكر فإن كان ناهيا عن المنكر جاز إلى الموقف الخامس فيسأل عن حسن الخلق فإن كان حسن الخلق جاز إلى الموقف السادس فيسأل عن الحب في الله والبغض في الله فإن كان محبا في الله مبغضا في الله جاز إلى الموقف السابع فيسأل عن مال الحرام فإن لم يكن أخذ شيئا جاز إلى الموقف الثامن فيسأل عن شرب الخمر فإن لم يكن شرب من الخمر شيئا جاز إلى الموقف التاسع فيسأل عن الفروج الحرام فإن لم يكن أتاها جاز إلى الموقف العاشر فيسأل عن قول الزور فإن لم يكن قاله جاز إلى الموقف الحادي عشر فيسأل عن الايمان الكاذبة فإن لم يكن حلفها جاز إلى الموقف الثاني عشر فيسأل عن أكل الربا فإن لم يكن أكله جاز إلى الموقف الثالث عشر فيسأل عن قذف المحصنات فإن لم يكن قذف المحصنات أو افترى على أحد جاز إلى الموقف الرابع عشر فيسأل عن شهادة الزور فإن لم يكن شهدها جاز إلى الموقف الخامس عشر فيسأل عن البهتان فإن لم يكن بهت مسلما مر فنزل تحت لواء الحمد وأعطى كتابه بيمينه ونجا من غم الكتاب وهو له وحوسب حِساباً يَسِيراً وإن كان قد وقع في شي‏ء من هذه الذنوب ثم خرج من الدنيا غير تائب من ذلك بقي في كل موقف من هذه الخمسة عشر موقفا ألف سنة في الغم والهول والهم والحزن والجوع والعطش حتى يقضي الله عز وجل فيه بما يشاء

[أخذ الكتب بالأيمان والشمائل وقراءتها]

ثم يقام الناس في قراءة كتبهم ألف عام فمن كان سخيا قد قدم ماله ليوم فقره وحاجته وفاقته قرأ كتابه وهون عليه قراءته وكسي من ثياب الجنة وتوج من تيجان الجنة وأقعد تحت ظل عرش الرحمن آمنا مطمئنا وإن كان بخيلا لم يقدم ماله ليوم فقره وفاقته أعطى كِتابَهُ بِشِمالِهِ ويقطع له من مقطعات النيران يقاوم على رءوس الخلائق ألف عام في الجوع والعطش والعرى والهم والغم والحزن والفضيحة حتى يقضي الله عز وجل فيه بما يشاء

[الحشر إلى الميزان‏]

ثم يحشر الناس إلى الميزان فيقومون عند الميزان ألف عام فمن رجح ميزانه بحسناته فاز ونجا في طرفة عين ومن خف ميزانه من حسناته وثقلت سيئاته حبس عند الميزان ألف عام في الغم والهم والحزن والعذاب والجوع والعطش حتى يقضي الله فيه بما يشاء

[الوقوف بين يدي الله في اثني عشر موقفا]

ثم يدعي بالخلق إلى الموقف بين يدي الله في اثني عشر موقفا كل موقف منها مقدار ألف عام فيسأل في أول موقف عن عتق الرقاب‏

فإن كان أعتق رقبة أعتق الله رقبته من النار وجاز إلى الموقف الثاني فيسأل عن القرآن وحقه وقراءته فإن جاء بذلك تاما جاز إلى الموقف الثالث فيسأل عن الجهاد فإن كان جاهد في سبيل الله محتسبا جاز إلى الموقف الرابع فيسأل عن الغيبة فإن لم يكن اغتاب جاز إلى الموقف الخامس فيسأل عن النميمة فإن لم يكن نماما جاز إلى الموقف السادس فيسأل عن الكذب فإن لم يكن كذابا جاز إلى الموقف السابع فيسأل عن طلب العلم فإن كان طلب العلم وعمل به جاز إلى الموقف الثامن فيسأل عن العجب فإن لم يكن معجبا بنفسه في دينه ودنياه أو في شي‏ء من عمله جاز إلى الموقف التاسع فيسأل عن التكبر فإن لم يكن تكبر على أحد جاز إلى الموقف العاشر فيسأل عن القنوط من رحمة الله فإن لم يكن قنط من رحمة الله جاز إلى الموقف الحادي عشر فيسأل عن الأمن من مكر الله فإن لم يكن أمن من مكر الله جاز إلى الموقف الثاني عشر فيسأل عن حق جاره فإن كان أدى حق جاره أقيم بين يدي الله تعالى قريرا عينه فرحا قلبه مبيضا وجهه كاسيا ضاحكا مستبشرا فيرحب به ربه ويبشره برضاه عنه فيفرح عند ذلك فرحا لا يعلمه أحد إلا الله فإن لم يأت بواحدة منهن تامة ومات غير تائب حبس عند كل موقف ألف عام حتى يقضي الله عز وجل فيه بما يشاء

[الصراط المضروبة عليه الجسور على جهنم‏]

ثم يؤمر بالخلائق إلى الصراط فينتهون إلى الصراط وقد ضربت عليه الجسور على جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف وقد غابت الجسور في جهنم مقدار أربعين ألف عام ولهيب جهنم بجانبها يلتهب وعليها حسك وكلاليب وخطاطيف وهي سبعة جسور يحشر العباد كلهم عليها وعلى كل جسر منها عقبة مسيرة ثلاثة آلاف عام ألف عام صعود وألف عام استواء وألف عام هبوط وذلك قول الله عز وجل إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ يعني على تلك الجسور وملائكة يرصدون الخلق عليها ليسأل العبد عن الايمان بالله فإن جاء به مؤمنا مخلصا لا شك فيه ولا زيغ جاز إلى الجسر الثاني فيسأل عن الصلاة فإن جاء بها تامة جاز إلى الجسر الثالث فيسأل عن الزكاة فإن جاء بها تامة جاز إلى الجسر الرابع فيسأل عن الصيام فإن جاء به تاما جاز إلى الجسر الخامس فيسأل عن حجة الإسلام فإن جاء بها تامة جاز إلى الجسر السادس فيسأل عن الطهر فإن جاء به تاما جاز إلى الجسر السابع فيسأل عن المظالم فإن كان لم يظلم أحدا جاز إلى الجنة وإن كان قصر في واحدة منهن حبس على كل جسر منها ألف سنة حتى يقضي الله عز وجل فيه بما يشاء وذكر الحديث إلى آخره‏

وسيأتي بقية الحديث إن شاء الله في باب الجنة فإنه يختص بالجنة ولم نذكر النشأة الأخرى التي يحشر فيها الإنسان في باب البرزخ لأنها نشأة محسوسة غير خيالية والقيامة أمر محقق موجود حسي مثل ما هو الإنسان في الدنيا فلذلك أخرنا ذكرها إلى هذا الباب‏

(وصل) [في الحشر والنشر]

[اختلاف الناس في الإعادة من المؤمنين‏]

اعلم أن الناس اختلفوا في الإعادة من المؤمنين القائلين بحشر الأجسام ولم نتعرض لمذهب من يحمل الإعادة والنشأة لآخرة على أمور عقلية غير محسوسة فإن ذلك على خلاف ما هو الأمر عليه لأنه جهل إن ثم نشأتين نشأة الأجسام ونشأة الأرواح وهي النشأة المعنوية فأثبتوا المعنوية ولم يثبتوا المحسوسة ونحن نقول بما قاله هذا المخالف من إثبات النشأة الروحانية المعنوية لا بما خالف فيه وأن عين موت الإنسان هو قيامته لكن القيامة الصغرى‏

فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول من مات فقد قامت قيامته‏

وإن الحشر جمع النفوس الجزئية إلى النفس الكلية هذا كله أقول به كما يقول المخالف وإلى هنا ينتهي حديثه في القيامة ويختلف في ذلك بعينه من يقول بالتناسخ ومن لا يقول به وكلهم عقلاء أصحاب نظر ويحتجون في ذلك كله بظواهر آيات من الكتاب وأخبار من السنة إن أوردناها وتكلمنا عليها طال الباب في الخوض معهم في تحقيق ما قالوه وما منهم من نحل نحلة في ذلك إلا وله وجه حق صحيح وإن القائل به فهم بعض مراد الشارع ونقصه علم ما فهمه غيره من إثبات الحشر المحسوس في الأجسام المحسوسة والميزان المحسوس والصراط المحسوس والنار والجنة المحسوستان كل ذلك حق وأعظم في القدرة

[علم الطبيعة لا ينفي بقاء الأجسام الطبيعة إلى غير مدة متناهية]

وفي علم الطبيعة بقاء الأجسام الطبيعية في الدارين إلى غير مدة متناهية بل مستمرة الوجود وأن الناس ما عرفوا من أمر الطبيعة إلا قدر ما أطلعهم الحق عليه من ذلك مما ظهر لهم في مدد حركات الأفلاك والكواكب السبعة ولهذا جعلوا العمر الطبيعي مائة وعشرين سنة الذي اقتضاه هذا الحكم فإذا زاد الإنسان على هذه المدة وقع في العمر المجهول وإن كان من الطبيعة ولم يخرج عنها ولكن ليس في قوة علمه أن يقطع عليه بوقت مخصوص فكما زاد على العمر الطبيعي سنة وأكثر جاز أن يزيد على ذلك آلافا من السنين وجاز

أن يمتد عمره دائما ولو لا أن الشرع عرف بانقضاء مدة هذه الدار وأن كل نفس ذائقة الموت وعرف بالإعادة وعرف بالدار الآخرة وعرف بأن الإقامة فيها في النشأة الآخرة إلى غير نهاية ما عرفنا ذلك وما خرجنا في كل حال من موت وإقامة وبعث أخروي ونشأة أخرى وجنان ونعيم ونار وعذاب بأكل محسوس وشرب محسوس ونكاح محسوس ولباس على المجرى الطبيعي فعلم الله أوسع وأتم والجمع بين العقل والحس والعقول والمحسوس أعظم في القدرة وأتم في الكمال الإلهي ليستمر له سبحانه في كل صنف من الممكنات حكم عالم الغيب والشهادة ويثبت حكم الاسم الظاهر والباطن في كل صنف‏

[المعاد- اى الحشر- هو جسماني وروحاني‏]

فإن فهمت فقد وفقت وتعلم أن العلم الذي أطلع عليه النبيون والمؤمنون من قبل الحق أعم تعلقا من علم المنفردين بما تقتضيه العقول مجردة عن الفيض الإلهي فالأولى بكل ناصح نفسه الرجوع إلى ما قالته الأنبياء والرسل على الوجهين المعقول والمحسوس إذ لا دليل للعقل يحيل ما جاءت به الشرائع على تأويل مثبتي المحسوس من ذلك والمعقول فالإمكان باق حكمه والمرجح موجود فبما ذا يحيل وما أحسن قول القائل‏

زعم المنجم والطبيب كلاهما *** لا تبعث الأجسام قلت إليكما

إن صح قولكما فلست بخاسر *** أو صح قولي فالخسار عليكما

فقوله فالخسار عليكما يريد حيث لم يؤمنوا بظاهر ما جاءتهم به الرسل عليهم السلام وقوله فلست بخاسر فإني مؤمن أيضا بالأمور المعنوية المعقولة مثلكم وزدنا عليكم بأمر آخر لم تؤمنوا أنتم به ولم يرد القائل به أنه يشك بقوله إن صح وإنما ذلك على مذهبك أيها المخاطب وهذا يستعمل مثله كثيرا فتدبر كلامي هذا وألزم الايمان نفسك تربح وتسعد إن شاء الله تعالى‏

[كيفية الإعادة- المعاد- والحشر والنشر]

وبعد أن تقرر هذا فاعلم إن الخلاف الذي وقع بين المؤمنين القائلين في ذلك بالحس والمحسوس إنما هو راجع إلى كيفية الإعادة فمنهم من ذهب إلى أن الإعادة تكون في الناس مثل ما بدأهم بنكاح وتناسل وابتداء خلق من طين ونفخ كما جرى من خلق آدم وحواء وسائر البنين من نكاح واجتماع إلى آخر مولود في العالم البشرى الإنساني وكل ذلك في زمان صغير ومدة قصيرة على حسب ما يقدره الحق تعالى هكذا زعم الشيخ أبو القاسم بن قسي في خلع النعلين له في قوله تعالى كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فلا أدري هل هو مذهبه أو هل قصد شرح المتكلم به وهو خلف الله الذي جاء بذلك الكلام وكان من الأميين ومنهم من قال بالخبر المروي إن السماء تمطر مطرا شبه المني تمخض به الأرض فتنشأ منه النشأة الآخرة وأما قوله تعالى عندنا كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ هو قوله ولَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى‏ فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ وقوله كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا وقد علمنا إن النشأة الأولى أوجدها الله تعالى على غير مثال سبق فهكذا النشأة الآخرة يوجدها الله تعالى على غير مثال سبق مع كونها محسوسة بلا شك وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفة نشأة أهل الجنة والنار ما يخالف ما هي عليه هذه النشأة الدنيا فعلمنا إن ذلك راجع إلى عدم مثال سابق ينشئها عليه وهو أعظم في القدرة وأما قوله وهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ فلا يقدح فيما قلنا فإنه لو كانت النشأة الأولى عن اختراع فكر وتدبر ونظر إلى أن خلق أمرا فكانت إعادته إلى أن يخلق خلقا آخر مما يقارب ذلك ويزيد عليه أقرب للاختراع والاستحضار في حق من يستفيد الأمور بفكره والله منزه عن ذلك ومتعال عنه علوا كبيرا فهو الذي يفيد العالم ولا يستفيد ولا يتجدد له علم بشي‏ء بل هو عالم بتفصيل ما لا يتناهى بعلم كلي فعلم التفصيل في عين الإجمال وهكذا ينبغي لجلاله أن يكون‏

[عجب الذنب ما تقوم عليه النشأة الانسانية وهو لا يبلى‏]

فينشئ الله النشأة الآخرة على عجب الذنب الذي يبقى من هذه النشأة الدنيا وهو أصلها فعليه تركب النشأة الآخرة فأما أبو حامد فرأى إن العجب المذكور في الخبر أنه النفس وعليها تنشأ النشأة الآخرة وقال غيره مثل أبي زيد الرقراقي هو جوهر فرد يبقى من هذه النشأة الدنيا لا يتغير عليه تنشأ النشأة الأخرى وكل ذلك محتمل ولا يقدح في شي‏ء من الأصول بل كلها توجيهات معقولة يحتمل كل توجيه منها أن يكون مقصودا والذي وقع لي به الكشف الذي لا أشك فيه إن المراد بعجب الذنب هو ما تقوم عليه النشأة وهو لا يبلى أي لا يقبل البلى‏

[النفختان واشتعال الصور البرزخية بأرواحها]

فإذا أنشأ الله النشأة الآخرة وسواها وعدلها وإن كانت هي الجواهر بأعيانها فإن الذوات الخارجة إلى الوجود من العدم لا تنعدم أعيانها بعد وجودها ولكن تختلف فيها الصور بالامتزاجات والامتزاجات التي تعطي هذه الصور أعراض تعرض لها بتقدير العزيز العليم فإذا تهيأت هذه الصور

كانت كالحشيش المحرق وهو الاستعداد لقبول الأرواح كاستعداد الحشيش بالنارية التي فيه لقبول الاشتعال والصور البرزخية كالسرج مشتعلة بالأرواح التي فيها فينفخ إسرافيل نفخة واحدة فتمر تلك النفخة على تلك الصور البرزخية فتطفئها وتمر النفخة التي تليها وهي الأخرى إلى الصورة المستعدة للاشتعال وهي النشأة الأخرى فتشتعل بأرواحها فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ فتقوم تلك الصور أحياء ناطقة بما ينطقها الله به فمن ناطق بالحمد لله ومن ناطق يقول من بَعَثَنا من مَرْقَدِنا ومن ناطق يقول سبحان من أحيانا بعد ما أماتنا وإِلَيْهِ النُّشُورُ وكل ناطق ينطق بحسب علمه وما كان عليه ونسي حاله في البرزخ ويتخيل أن ذلك الذي كان فيه منام كما تخيله المستيقظ وقد كان حين مات وانتقل إلى البرزخ كان كالمستيقظ هناك وأن الحياة الدنيا كانت له كالمنام‏

[أمر الدنيا منام في منام والدار الآخرة هي الحيوان‏]

وفي الآخرة يعتقد في أمر الدنيا والبرزخ أنه منام في منام وأن اليقظة الصحيحة هي التي هو عليها في الدار الآخرة وهو في ذلك الحال يقول إن الإنسان في الدنيا كان في منام ثم انتقل بالموت إلى البرزخ فكان في ذلك بمنزلة من يرى في المنام أنه استيقظ من النوم ثم بعد ذلك في النشأة الآخرة هي اليقظة التي لا نوم فيها ولا نوم بعدها لأهل السعادة لكن لأهل النار وفيها راحتهم كما قدمنا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا

فالدنيا بالنسبة إلى البرزخ نوم ومنام فإن البرزخ أقرب إلى الأمر الحق فهو أولى باليقظة والبرزخ بالنظر إلى النشأة الأخرى يوم القيامة منام فاعلم ذلك‏

[الشفاعة العظمى الأولين والآخرين‏]

فإذا قام الناس ومدت الأرض وانْشَقَّتِ السَّماءُ وانكدرت النجوم وكورت الشمس وخَسَفَ الْقَمَرُ وحشر الوحوش وسجرت البحار وزوجت النفوس بأبدانها ونزلت الملائكة عَلى‏ أَرْجائِها أعني أرجاء السموات وأتى ربنا في ظُلَلٍ من الْغَمامِ ونادى المنادي يا أهل السعادة فأخذ منهم الثلاث الطوائف الذين ذكرناهم وخرج العنق من النار فقبض الثلاث لطوائف الذين ذكرناهم وماج الناس واشتد الحر وألجم الناس العرق وعظم الخطب وجل الأمر وكان البهت فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً وجي‏ء بجهنم وطال الوقوف بالناس ولم يعلموا ما يريد الحق بهم‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول الناس بعضهم لبعض تعالوا ننطلق إلى أبينا آدم فنسأله أن يسأل الله لنا أن يريحنا مما نحن فيه فقد طال وقوفنا فيأتون إلى آدم فيطلبون منه ذلك فيقول آدم إن الله قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وذكر خطيئته فيستحي من ربه أن يسأله فيأتون إلى نوح بمثل ذلك فيقول لهم مثل ما قال آدم ويذكر دعوته على قومه وقوله ولا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً فموضع المؤاخذة عليه قوله ولا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً لا نفس دعائه عليهم من كونه دعاء ثم يأتون إلى إبراهيم عليه السلام بمثل ذلك فيقولون له مثل مقالتهم لمن تقدم فيقول كما قال من تقدم ويذكر كذباته الثلاث ثم يأتون إلى موسى وعيسى ويقولون لكل واحد من الرسل مثل ما قالوه لآدم فيجيبونهم مثل جواب آدم فيأتون إلى محمد صلى الله عليه وسلم وهو سيد الناس يوم القيامة فيقولون له مثل ما قالوا للأنبياء فيقول محمد صلى الله عليه وسلم أنا لها وهو المقام المحمود الذي وعده الله به يوم القيامة فيأتي ويسجد ويحمد الله بمحامد يلهمه الله تعالى إياها في ذلك الوقت لم يكن بعلمها قبل ذلك ثم يشفع إلى ربه أن يفتح باب الشفاعة للخلق فيفتح الله ذلك الباب فيأذن في الشفاعة للملائكة والرسل والأنبياء والمؤمنين‏

فبهذا يكون سيد الناس يوم القيامة فإنه شفع عند الله أن تشفع الملائكة والرسل‏

[سيد الناس يوم القيامة]

ومع هذا تأدب صلى الله عليه وسلم وقال أنا سيد الناس‏

ولم يقل سيد الخلائق فتدخل الملائكة في ذلك مع ظهور سلطانه في ذلك اليوم على الجميع وذلك أنه صلى الله عليه وسلم جمع له بين مقامات الأنبياء عليهم السلام كلهم ولم يكن ظهر له على الملائكة ما ظهر لآدم عليه السلام عليهم من اختصاصه يعلم الأسماء كلها فإذا كان في ذلك اليوم افتقر إليه الجميع من الملائكة والناس من آدم فمن دونه في فتح باب الشفاعة وإظهار ما له من الجاه عند الله إذ كان القهر الإلهي والجبروت الأعظم قد أخرس الجميع وكان هذا المقام مثل مقام آدم عليه السلام وأعظم في يوم اشتدت الحاجة فيه مع ما ذكر من الغضب الإلهي الذي تجلى فيه الحق في ذلك اليوم ولم تظهر مثل هذه الصفة فيما جرى من قضية آدم فدل بالمجموع على عظيم قدره صلى الله عليه وسلم حيث أقدم مع هذه الصفة الغضبية الإلهية على مناجاة الحق فيما سأل فيه‏

[تجلى الحق يوم القيامة في أدنى صورة]

فأجابه الحق سبحانه فعلقت الموازين ونشرت الصحف ونصب الصراط وبدي‏ء بالشفاعة فأول ما شفعت الملائكة

ثم النبيون ثم المؤمنون وبقي أرحم الراحمين وهنا تفصيل عظيم يطول الكلام فيه فإنه مقام عظيم غير أن الحق يتحلى في ذلك اليوم فيقول لتتبع كل أمة ما كانت تعبد حتى تبقي هذه الأمة وفيها منافقوها فيتجلى لهم الحق في أدنى صورة من الصور التي كان تجلى لهم فيها قبل ذلك فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك ها نحن منتظرون حتى يأتينا ربنا فيقول لهم جل وتعالى هل بينكم وبينه علامة تعرفونه بها فيقولون نعم فيتحول لهم في الصورة التي عرفوه فيها بتلك العلامة فيقولون أنت ربنا فيأمرهم بالسجود فلا يبقى من كان يسجد لله إلا سجد ومن كان يسجد إنقاء ورياء جعل الله ظهره طبقة نحاس كلما أراد أن يسجد خر على قفاه وذلك قوله يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ ويُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ ... وقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وهُمْ سالِمُونَ يعني في الدنيا والساق التي كشفت لهم عبارة عن أمر عظيم من أهوال يوم القيامة تقول العرب كشفت الحرب عن ساقها إذا اشتد الحرب وعظم أمرها وكذلك الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ أي دخلت الأهوال والأمور العظام بعضها في بعض يوم القيامة

[التوحيد العقلي والتوحيد الشرعي ودخول الجنة]

فإذا وقعت الشفاعة ولم يبق في النار مؤمن شرعي أصلا ولا من عمل عملا مشروعا من حيث ما هو مشروع بلسان نبي ولو كان مِثْقالَ حَبَّةٍ من خَرْدَلٍ فما فوق ذلك في الصغر إلا خرج بشفاعة النبيين والمؤمنين وبقي أهل التوحيد الذين علموا التوحيد بالأدلة العقلية ولم يشركوا بالله شيئا ولا آمنوا إيمانا شرعيا ولم يعملوا خيرا قط من حيث ما اتبعوا فيه نبيا من الأنبياء فلم يكن عندهم ذرة من إيمان فما دونها فيخرجهم أرحم الراحمين وما عملوا خيرا قط يعني مشروعا من حيث ما هو مشروع ولا خير أعظم من الايمان وما عملوه وهذا

حديث عثمان بن عفان في الصحيح لمسلم بن الحجاج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات وهو يعلم ولم يقل يؤمن أنه لا إله إلا الله دخل الجنة

ولا قال يقول بل أفرد العلم ففي هؤلاء تسبق عناية الله في النار فإن النار بذاتها لا تقبل تخليد موحد لله بأي وجه كان وأتم وجوهه الايمان عن علم فجمع بين العلم والايمان فإن قلت فإن إبليس يعلم أن الله واحد قلنا صدقت ولكنه أول من سن الشرك فعليه إثم المشركين وإثمهم إنهم لا يخرجون من النار هذا إذا ثبت أنه مات موحدا وما يدريك لعله مات مشركا لشبهة طرأت عليه في نظره وقد تقدم الكلام على هذه المسألة فيما مضى من الأبواب فإبليس ليس بخارج من النار فالله يعلم أي ذلك كان وهنا علوم كثيرة وفيها طول يخرجنا عن المقصود من الاختصار إيرادها ولكن مع هذا فلا بد أن نذكر نبذة من كل موطن مشهور من مواطن القيامة كالعرض وأخذ الكتب والميزان والصراط والأعراف وذبح الموت والمأدبة التي تكون في ميدان الجنة فهذه سبعة مواطن لا غير وهي أمهات للسبعة الأبواب التي للنار والسبعة الأبواب التي للجنة فإن الباب الثامن هو لجنة الرؤية وهو الباب المغلق الذي في النار وهو باب الحجاب فلا يفتح أبدا فإن أهل النار محجوبون عن ربهم‏

[وصل الموطن السبعة الأمهات يوم القيامة]

[الموطن‏] الأول وهو العرض‏

اعلم أنه‏

قد ورد في الخبر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم سئل عن قوله تعالى فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً فقال ذلك العرض يا عائشة من نوقش الحساب عذب‏

وهو مثل عرض الجيش أعني عرض الأعمال لا لأنها زي أهل الموقف والله الملك ف يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ كما يعرف الأجناد هنا بزيهم‏

[الموطن‏] الثاني الكتب‏

قال تعالى اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى‏ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً وقال فَأَمَّا من أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ وهو المؤمن السعيد وأَمَّا من أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ وهو المنافق فإن الكافر لا كتاب له فالمنافق سلب عنه الايمان وما أخذ منه الإسلام فقيل في المنافق إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ فيدخل فيه المعطل والمشرك والمتكبر على الله ولم يتعرض للإسلام فإن المنافق ينقاد ظاهرا ليحفظ ماله وأهله ودمه ويكون في باطنه واحدا من هؤلاء الثلاثة وإنما قلنا إن هذه الآية تعم الثلاثة فإن قوله لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ معناه لا يصدق بالله والذين لا يصدقون بالله هم طائفتان طائفة لا تصدق بوجود الله وهم المعطلة وطائفة لا تصدق بتوحيد الله وهم المشركون وقوله العظيم في هذه الآية يدخل فيها المتكبر على الله فإنه لو اعتقد عظمة الله التي يستحقها من يسمى بالله لم يتكبر عليه وهؤلاء الثلاثة مع هذا المنافق الذي تميز عنهم بخصوص وصف هم أهل النار الذين هم أهلها وأَمَّا من أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ فهم الذين أوتوا الكتاب فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ واشْتَرَوْا به ثَمَناً قَلِيلًا فإذا كان يوم القيامة قيل له خذه من وراء ظهرك أي من الموضع الذي نبذته فيه في حياتك الدنيا فهو كتابهم المنزل عليهم لا كتاب‏

الأعمال فإنه حين نبذه وراء ظهره ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ أي تيقن قال الشاعر

فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج‏

أي تيقنوا

ورد في الصحيح يقول الله له يوم القيامة أ ظننت أنك ملاقي‏

وقال تعالى وذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ‏

[الموطن‏] الثالث الموازين‏

فتوضع الموازين لوزن الأعمال فيجعل فيها الكتب بما عملوا وآخر ما يوضع في الميزان قول الإنسان الحمد لله ولهذا

قال صلى الله عليه وسلم الحمد لله تملأ الميزان‏

فإنه يلقى في الميزان جميع أعمال العباد إلا كلمة لا إله إلا الله فيبقى من ملئه تحميدة فتجعل فيمتلئ بها فإن كفة ميزان كل أحد بقدر عمله من غير زيادة ولا نقصان وكل ذكر وعمل يدخل الميزان إلا لا إله إلا الله كما قلنا وسبب ذلك أن كل عمل خير له مقابل من ضده فيجعل هذا الخير في موازنته ولا يقابل لا إله إلا الله إلا الشرك ولا يجتمع توحيد وشرك في ميزان أحد لأنه إن قال لا إله إلا الله معتقدا لها فما أشرك وإن أشرك فما اعتقد لا إله إلا الله فلما لم يصح الجمع بينهما لم يكن لكلمة لا إله إلا الله من يعادلها في الكفة الأخرى ولا يرجحها شي‏ء فلهذا لا تدخل الميزان وأما المشركون فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً أي لا قدر لهم ولا يوزن لهم عمل ولا من هو من أمثالهم ممن كذب بلقاء الله وكفر بآياته فإن أعمال خير المشرك محبوطة فلا يكون لشرهم ما يوازنه فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً وأما صاحب السجلات فإنه شخص لم يعمل خير قط إلا أنه تلفظ يوما بكلمة لا إله إلا الله مخلصا فتوضع له في مقابلة التسعة والتسعين سجلا من أعمال الشر كل سجل منها كما بين المغرب والمشرق وذلك لأنه ما له عمل خير غيرها فترجح كفنها بالجميع وتطيش السجلات فيتعجب من ذلك ولا يدخل الموازين إلا أعمال الجوارح شرها وخيرها السمع والبصر واللسان واليد والبطن والفرج والرجل وأما الأعمال الباطنة فلا تدخل الميزان المحسوس لكن يقام فيها العدل وهو الميزان الحكمي المعنوي محسوس لمحسوس ومعنى لمعنى يقابل كل شي‏ء بمثله فلهذا توزن الأعمال من حيث ما هي مكتوبة

[الموطن‏] الرابع الصراط

وهو الصراط المشروع الذي كان هنا معنى ينصب هنالك حسا محسوسا يقول الله لنا وأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ولما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية خط خطا وخط عن جنبتيه خوطا هكذا

وهذا هو صراط التوحيد ولوازمه وحقوقه‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله‏

أراد بقوله وحسابهم على الله أنه لا يعلم أنهم قالوها معتقدين لها إلا الله فالمشرك لا قدم له على صراط التوحيد وله قدم على صراط الوجود والمعطل لا قدم له على صراط الوجود فالمشرك ما وحد الله هنا فهو من الموقف إلى النار مع المعطلة ومن هو من أهل النار الذين هم أهلها إلا المنافقين فلا بد لهم أن ينظروا إلى الجنة وفيها من النعيم فيطمعون فذلك نصيبهم من نعيم الجنان ثم يصرفون إلى النار وهذا من عدل الله فقوبلوا بأعمالهم والطائفة التي لا تخلد في النار إنما تمسك وتسأل وتعذب على الصراط والصراط على متن جهنم غائب فيها والكلاليب التي فيه بها يمسكهم الله عليه ولما كان الصراط في النار وما ثم طريق إلى الجنة إلا عليه قال تعالى وإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى‏ رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ومن عرف معنى هذا القول عرف مكان جهنم ما هو ولو قاله النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عنه لقلته فما سكت عنه وقال في الجواب في علم الله إلا بأمر إلهي فإنه ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى‏ وما هو من أمور الدنيا فسكوتنا عنه هو الأدب وقد أتى في صفة الصراط أنه أدق من الشعر وأحد من السيف وكذا هو علم الشريعة في الدنيا لا يعلم وجه الحق في المسألة عند الله ولا من هو المصيب من المجتهدين بعينه ولذلك تعبدنا بغلبات الظنون بعد بذل المجهود في طلب الدليل لا في المتواتر ولا في خبر الواحد الصحيح المعلوم فإن المتواتر وإن أفاد العلم فإن العلم المستفاد من التواتر إنما هو عين هذا اللفظ أو العلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله أو عمل به ومطلوبنا بالعلم ما يفهم من ذلك القول والعمل حتى يحكم في المسألة على القطع وهذا لا يوصل إليه إلا بالنص الصريح المتواتر وهذا لا يوجد إلا نادرا مثل قوله تعالى تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ في كونها عشرة خاصة فحكمها بالشرع أحد من السيف وأدق من الشعر في الدنيا فالمصيب للحكم واحد لا بعينه والكل مصيب للأجر فالشرع هنا هو الصراط المستقيم ولا يزال في كل ركعة من الصلاة يقول اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ فهو أحد من السيف وأدق من الشعر فظهوره في الآخرة محسوس أبين وأوضح من ظهوره في الدنيا إلا لمن دعا إلى الله على‏

بصيرة كالرسول وأتباعه فألحقهم الله بدرجة الأنبياء في الدعاء إِلَى الله عَلى‏ بَصِيرَةٍ أي على علم وكشف وقد ورد في خبر أن الصراط يظهر يوم القيامة متنه للابصار على قدر نور المارين عليه فيكون دقيقا في حق قوم وعريضا في حق آخرين‏

يصدق هذا الخبر قوله تعالى نُورُهُمْ يَسْعى‏ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبِأَيْمانِهِمْ والسعي مشي وما ثم طريق إلا الصراط وإنما قال بِأَيْمانِهِمْ لأن المؤمن في الآخرة لا شمال له كما أن أهل النار لا يمين لهم هذا بعض أحوال ما يكون على الصراط وأما الكلاليب والخطاطيف والحسك كما ذكرنا هي من صور أعمال بنى آدم تمسكهم أعمالهم تلك على الصراط فلا ينتهضون إلى الجنة ولا يقعون في النار حتى تدركهم الشفاعة والعناية الإلهية كما قررنا فمن تجاوز هنا تجاوز الله عنه هناك ومن أنظر معسرا أنظره الله ومن عفا عفا الله عنه ومن استقصى حقه هنا من عباده استقصى الله حقه منه هناك ومن شدد على هذه الأمة شدد الله عليه وإنما هي أعمالكم ترد عليكم فالتزموا مكارم الأخلاق‏

فإن الله غدا يعاملكم بما عاملتم به عباده كان ما كان وكانوا ما كانوا

[الموطن‏] الخامس الأعراف‏

وأما الأعراف فسور بين الجنة والنار باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وهو ما يلي الجنة منه وظاهِرُهُ من قِبَلِهِ الْعَذابُ وهو ما يلي النار منه يكون عليه من تساوت كفتا ميزانه فهم ينظرون إلى النار وينظرون إلى الجنة وما لهم رجحان بما يدخلهم أحد الدارين فإذا دعوا إلى السجود وهو الذي يبقى يوم القيامة من التكليف فيسجدون فيرجح ميزان حسناتهم فيدخلون الجنة وقد كانوا ينظرون إلى النار بما لهم من السيئات وينظرون إلى الجنة بما لهم من الحسنات ويرون رحمة الله فيطمعون وسبب طمعهم أيضا إنهم من أهل لا إله إلا الله ولا يرونها في ميزانهم ويعلمون إِنَّ الله لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ولو جاءت ذرة لإحدى الكفتين لرجحت بها لأنهما في غاية الاعتدال فيطمعون في كرم الله وعدله وأنه لا بد أن يكون لكلمة لا إله إلا الله عناية بصاحبها يظهر لها أثر عليهم يقول عز وجل فيهم وعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ ونادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وهُمْ يَطْمَعُونَ كما نادوا أيضا إِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ والظلم هنا الشرك لا غير

[الموطن‏] السادس ذبح الموت‏

الموت وإن كان نسبة

فإن الله يظهره يوم القيامة في صورة كبش أملح وينادي يا أهل الجنة فيشرئبون وينادي يا أهل النار فيشرئبون وليس في النار في ذلك الوقت إلا أهلها الذين هم أهلها فيقال للفريقين أ تعرفون هذا وهو بين الجنة والنار فيقولون هو الموت ويأتي يحيى عليه السلام وبيده الشفرة فيضجعه ويذبحه وينادي مناديا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت‏

وذلك هو يَوْمَ الْحَسْرَةِ فأما أهل الجنة إذا رأوا الموت سروا برؤيته سرورا عظيما ويقولون له بارك الله لنا فيك لقد خلصتنا من نكد الدنيا وكنت خير وارد علينا وخير تحفة أهداها الحق إلينا

فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول الموت تحفة المؤمن‏

وأما أهل النار إذا أبصروه يفرقون منه ويقولون له لقد كنت شر وارد علينا حلت بيننا وبين ما كنا فيه من الخير والدعة ثم يقولون له عسى تميتنا فنستريح مما نحن فيه وإنما سمي يوم الحسرة لأنه حسر للجميع أي ظهر عن صفة الخلود الدائم للطائفتين ثم تغلق أبواب النار غلقا لا فتح بعده وتنطبق النار على أهلها ويدخل بعضها في بعض ليعظم انضغاط أهلها فيها ويرجع أسفلها أعلاها وأعلاها أسفلها وترى الناس والشياطين فيها كقطع اللحم في القدر إذ كان تحتها النار العظيمة تغلي كَغَلْيِ الْحَمِيمِ فتدور بمن فيها علوا وسفلا كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً بتبديل الجلود

[الموطن‏] السابع المأدبة

وهي مأدبة الملك لأهل الجنة وفي ذلك الوقت يجتمع أهل النار في مندبة فأهل الجنة في المأدب وأهل النار في المنادب وطعامهم في تلك المأدبة زيادة كبد النون وأرض الميدان درمكة بيضاء مثل القرصة ويخرج من الثور الطحال لأهل النار فيأكل أهل الجنة من زيادة كبد النون وهو حيوان بحري مائي فهو من عنصر الحياة المناسبة للجنة والكبد بيت الدم وهو بيت الحياة والحياة حارة رطبة وبخار ذلك الدم هو النفس المعبر عنه بالروح الحيواني الذي به حياة البدن فهو بشارة لأهل الجنة ببقاء الحياة عليهم وأما الطحال في جسم الحيوان فهو بيت الأوساخ فإن فيه تجتمع أوساخ البدن وهو ما يعطيه الكبد من الدم الفاسد فيعطي لأهل النار يأكلونه وهو من الثور والثور حيوان ترابي طبعه البرد واليبس وجهنم على صورة الجاموس والطحال من الثور لغذاء أهل النار أشد مناسبة فبما في الطحال من الدمية لا يموت أهل النار وبما فيه من أوساخ البدن‏



Bazı içeriklerin Arapçadan Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!